بِالتَّفْرِقَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّتَابُعِ وَالتَّفْرِقَةِ فَيُخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِصِفَتِهِ.
وَإِنْ أُمْكِنَ اجْتِمَاعُ الصِّفَتَيْنِ وَلَمْ يَتَنَافَيَا فَفِي حَمْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى تَقْيِيدِ نَظِيرِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُحْمَلُ إِلَّا عَلَى مَا قُيِّدَ بِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطْلَقَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيِّدِ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْمَلُ عَلَى تَقْيِيدِهِ وَتَقْيِيدِ نَظِيرِهِ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَيَّدًا بِالصِّفَتَيْنِ إِذَا قِيلَ بِجَوَازِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ جِنْسِهِمَا عَلَى تَقْيِيدِهِمَا مَعًا وَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النُّصُوصِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَجَانِسَةِ مُقَيَّدًا بِشَرْطَيْنِ.
(فَصْلٌ: [الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ] )
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ: فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: إِثْبَات تَجَرَّدَ عَنْ نَفْيٍ.
وَالثَّانِي: نَفْي تَجَرَّدَ عَنْ إِثْبَاتٍ.
وَالثَّالِثُ: مَا اجتمع فيه نفي وإثبات.
( [القول في الإثبات المتجرد عن النفي] )
:
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي الْإِثْبَاتِ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ نَفْيٍ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ فَيَكُونُ إِثْبَاتُهُ نَفْيًا لِمَا عَدَاهُ كَقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "، وَكَقَوْلِهِ: " إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " فَيَكُونُ إِثْبَاتُ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ مُوجِبًا لِنَفْيهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ مُوجِبًا لِنَفْيِهِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْإِثْبَاتُ جَوَابًا أَوِ ابْتِدَاءً.
لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي النَّفْيِ بِهِ هَلْ هُوَ بِلَفْظِ النُّطْقِ أَوْ بِدَلِيلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ النَّفْيَ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ هُوَ دَلِيلُ اللَّفْظِ دُونَ اللَّفْظِ فَيَكُونُ دَلِيلُ الْخِطَابِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلنَّفْيِ؛ لِأَنَّهَا لَفْظَةُ تَحْقِيقٍ فَجَرَتْ مَجْرَى التَّأْكِيدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا أَوْجَبَتِ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ لَفْظَةَ " إِنَّمَا " مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِثْبَاتٍ مَا اتَّصَلَ بِهَا وَنَفْيِ مَا انْفَصَلَ عَنْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَجَرَّدَ الْإِثْبَاتُ عَنْ حَرْفِ التَّحْقِيقِ كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ " وَكَقَوْلِهِ " الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ " فَلِمَخْرَجِهِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسَائِلٍ عَنِ الزَّكَاةِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ فَقَالَ: " فِي سَائِمَةِ