الْغَنَمِ زَكَاةٌ " وَلِسَائِلٍ عَنِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَقَالَ: " الْقُطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ " فَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِثْبَاتُ نَفْيًا لِمَا عَدَاهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ السُّؤَالِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الرَّسُولُ فَيَقُولُ مُبْتَدِئًا: " فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ " و " الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ " فَيَكُونُ هَذَا الْإِثْبَاتُ نَفْيًا لِمَا عَدَاهُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِتَخْصِيصٍ هَذَا بِالذِّكْرِ مِنْ مُوجِبٍ فَلِمَا خَرَجَ عَنِ الْجَوَابِ ثَبَتَ وُرُودُهُ لِلْبَيَانِ.
هَذَا هُوَ الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ.
وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ إِلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَا الْإِثْبَاتَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ.
وَإِذَا انْتَفَى حُكْمُ الْإِثْبَاتِ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُوجِبِ نَفْيِهِ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَوْجَبَهُ لِسَانُ الْعَرَبِ لُغَةً.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: بَلْ أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الخطاب شرعا.
( [القول في النفي المتجرد عن الإثبات] )
:
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فِي النَّفْيِ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ إِثْبَاتٍ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ فَلَا يَكُونُ النَّفْيُ مُوجِبًا لِإِثْبَاتِ مَا عداه كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ " لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالثَّالِثَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَبْتَدِئَ به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيَقُولُ: " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ " فَدَلَّ عَلَى قَبُولِهَا بِالطَّهُورِ وَيَكُونُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ مُوجِبًا لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا.
وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ مَا عَدَا الْإِثْبَاتَ مَوْقُوفًا أَنْ يَجْعَلَ مَا عَدَا النَّفْيَ مَوْقُوفًا.
وَإِذَا كَانَ حُكْمُ النَّفْيِ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْجَوَازِ وَنَفْيَ الْكَمَالِ حُمِلَ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ لِعُمُومِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ " فَكَانَ هَذَا النَّفْيُ مَانِعًا مِنْ أَجْزَائِهَا.
فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ حُمِلَ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي مَسْجِدِهِ " لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَجْزَائِهَا حُمِلَ عَلَى نفي كمالها.