للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، فَجَعَلَ مَصْرِفَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ مُشْتَرَكًا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ.

وَأَمَّا خَرَاجُ السَّوَادِ، فَمَصْرِفُهُ فِي كُلِّ مَصْلَحَةٍ عَادَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفْعُهَا مِنْ أَرْزَاقِ الْجَيْشِ وَتَحْصِينِ الثُّغُورِ، وَابْتِيَاعِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ، وَمَنِ انْتَفَعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْقُرَّاءِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ.

(فَصْلٌ)

: وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ، وَلَا لِوَالٍ مِنْ قِبَلِهِ يَضْمَنُ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُمَّالِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمَانًا كَانَ عَقْدُهُ بَاطِلًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ، لِأَنَّ الْعَامِلَ مُؤْتَمَنٌ يَسْتَوْفِي مَا وَجَبَ، وَيُؤَدِّي مَا حَصَّلَ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانًا، وَلَا يَمْلِكُ زِيَادَةً، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ بِمُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ مَا زَادَ، وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَ، وَهَذَا مُنَافٍ لِوَضْعِ الْعِمَالَةِ وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ فَبَطَلَ.

حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ الْأُبُلَّةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فضربه مائة سوط وصلبه حيا تعزيرا وأدبا.

وَلَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْأَرْضِ لِأَرْبَابِهَا فِي عُشْرٍ وَلَا خَرَاجٍ، لِأَنَّ الْعُشْرَ مُسْتَحَقٌّ إِنْ زُرِعَ، وَسَاقِطٌ إِنْ قُطِعَ، وَالْخَرَاجُ مُقَدَّرٌ عَلَى الْمِسَاحَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ، وَلَا يُنْقَصَ مِنْهُ، وَمَا هَذِهِ سَبِيلُهُ لَا يَصِحُّ تَضْمِينُهُ.

فَأَمَّا إِجَارَتُهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَهَا أَرْبَابُهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَهَا غَيْرُهَا، لِأَنَّ حَقَّ السُّلْطَانِ فِيهَا قَدْ سَقَطَ بِخَرَاجِهَا.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا تَفْسِيرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " لَا أَعْرِفُ مَا أَقُولُهُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ إِلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إِلَى عِلْمٍ " فَقَدْ أَُنكر هَذَا الْكَلَامُ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: لَا أَعْرِفُ مَا أَقُولُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ، مَا أَحَدٌ بَدَأَ فِي كِتَابٍ فِي عِلْمٍ بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِإِثْبَاتِ حُكْمِهِ.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: إِلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إِلَى عِلْمٍ، وَالظَّنُّ شَكٌّ وَالْعِلْمُ يَقِينٌ، وَهُمَا ضِدَّانِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؟

قِيلَ: أَمَّا قَوْلُهُ: لَا أَعْرِفُ مَا أَقُولُ فِي أرض السواد، فلأن الطريق إلى العلم يفتحها النَّقْلُ الْمَرْوِيُّ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَرَوَى آخَرُونَ أَنَّ بَعْضَهَا فُتِحَ صُلْحًا، وَبَعْضَهَا فُتِحَ عَنْوَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>