للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ الْكُفْرِ بِتَأْوِيلٍ وَغَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ الْفِسْقِ بِتَأْوِيلٍ وَغَيْرِ تَأْوِيلٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَأَوُّلُهُ الشُّبَهَ فِي الْفُرُوعِ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّقْلِيدِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْأُصُولِ.

فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ بَعْدَ صِحَّةِ تَقْلِيدِهِ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ.

وفي بطلانها بالضرب الثاني وجهان:

أصحهما ها هنا لَا تَبْطُلُ.

وَأَصَحُّهُمَا هُنَاكَ لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَا يُقَلَّدُ إِلَّا بِتَعْدِيلٍ كَامِلٍ وَلَا يَنْعَزِلُ إلا بجرح كامل.

(فَصْلٌ)

: وَالشَّرْطُ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ: وَعِلْمُهُ بِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ

أَحَدُهُمَا: عِلْمُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أُصُولِهَا الَّتِي يَسْتَنْبِطُ بِهَا أَحْكَامَهَا.

وَالثَّانِي: مَعْرِفَتُهُ بِفُرُوعِهَا فِيمَا انْعَقَدْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، أَوْ حَصَلَ فِيهِ اخْتِلَافٌ لِيَتِّبِعَ الْإِجْمَاعَ، وَيَجْتَهِدَ فِي الِاخْتِلَافِ؛ لِيَصِيرَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي الدِّينِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ وَيَقْضِيَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ وَيَسْتَقْضِيَ.

فَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَقْضِيَ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاطِلَةً وَحُكْمُهُ وَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ مَرْدُودًا.

وَجَوَّزَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْلِيدَ الْعَامِّيِّ الْقَاضِي لِيَسْتَفْتِيَ فِي أَحْكَامِهِ الْعُلَمَاءَ.

اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فِي الِاسْتِفْتَاءِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِأَنَّهُمَا مَعًا حُكْمٌ بِعِلْمٍ.

قَالُوا وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا جَازَ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا كَالْعَالِمِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا تَوَصَّلَا بِهِ إِلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ، وَيَحْكُمُ بِقِيمَةِ الْمُقَوِّمَيْنِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا تَوَصَّلَا بِهِ إِلَى صِحَّةِ الْقِيمَةِ، جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِفُتْيَا الْمُفْتِي مَعَ الْجَهْلِ بِمَا تَوَصَّلَ بِهِ إِلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] وَالدَّلِيلُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنَعَ مِنَ الْمُسَاوَاةِ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَهُ زَجْرًا فَصَارَ أَمْرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>