للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَمْحِيقِ صَدَقَتِهِمْ، وَإِنْ مُكِّنُوا بِخَرْصٍ ارْتَفَقَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ بِتَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَارْتَفَقَ الْمَسَاكِينُ بِحِفْظِ الصَّدَقَةِ، فَكَانَ الْخَرْصُ رِفْقًا بِالْفَرِيقَيْنِ وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ ضَرَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرِ ابن جَابِرٍ فَهُوَ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، بِدَلِيلِ نَهْيِهِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَإِرْخَاصِهِ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْخَرْصَ تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ لِاخْتِلَافِهِ فَغَلَطٌ، إِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادٌ وَلَيْسَ وُجُودُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَمَّا لَمْ يَجُزِ الْخَرْصُ فِي الزُّرُوعِ لَمْ يَجُزْ فِي الثِّمَارِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلزَّرْعِ حائلاً يمنع من خرصه، وليس لثمر النخل حائلاً يَمْنَعُ مِنْ خَرْصِهِ.

وَالثَّانِي: أنَّ الْحَاجَةَ غَيْرُ داعية إلى خرص الزروع، لأن الانتفاع بما قبل الحصاد غير مقصود، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَمَّا لَمْ يَجُزْ خَرْصُهَا عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ الْجِدَادِ لَمْ يَجُزْ قَبْلَهُ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ يُمْكِنُ كَيْلُهُ، فَلَمْ يَجُزْ خَرْصُهُ، لِأَنَّ الْكَيْلَ نَصٌّ وَالْخَرْصَ اجْتِهَادٌ، وَمَا عَلَى النَّخْلِ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَجَازَ خَرْصُهُ، لِأَنَّ فَقْدَ النَّصِّ مُبِيحٌ لِلِاجْتِهَادِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ يُمْكِنُ أَخْذُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَقْدِيرِهِ بِالْخَرْصِ، وَمَا عَلَى النَّخْلِ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ فاحتاج إلى تقدير بِالْخَرْصِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ مَا يُقْصَدُ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ بَاطِلٌ وَمِنَ التَّضْمِينِ فَاسِدٌ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا أَبْطَلْتُمُ الْخَرْصَ، لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوِ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ نقصاناً صدق وهذا فاسد بعد الماشية لأنها تُعَدُّ عَلَى رَبِّهَا وَلَوِ ادَّعَى غَلَطًا يُمْكِنُ مِثْلُهُ صُدِّقَ، وَأَبْطَلْتُمُ التَّضْمِينَ لِأَنَّهُ بَيْعُ رُطَبٍ حاضر بثمن غَائِبٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن الزكاة تخرج من ثمرها لَا مِنْ رُطَبِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا ضُمِّنَهُ من الزكاة هو الواجب فيها، لَا أَنَّهُ بَدَلُ الْوَاجِبِ مِنْهَا، فَثَبَتَ جَوَازُ الْخَرْصِ بِمَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا ثِمَارُ الْبَصْرَةِ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ خَرْصَهَا غَيْرُ جَائِزٍ، لِكَثْرَتِهَا وَمَا يَلْحَقُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَيَلْزَمُ مِنَ الْمُؤْنَةِ فِي خَرْصِهَا، وَلِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَرْبَابِ الثِّمَارِ بِهَا مِنْ تَفْرِيقِ عُظْمِ مَا يرد إليهم الثنيا مِنْهَا وَتَجَاوُزِهِمْ فِيهِ حَدَّ الصَّدَقَةِ، وَلِإِبَاحَتِهِمْ فِي تعارفهم الأكل منها لِلْمُجْتَازِ بِهَا، فَرَأَى السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أن تؤخذ صدقتها من الكر حتى عند دخول ثمرها البصرة، فيكون ذلك أرفق بِأَرْبَابِهَا وَأَحْظَى لِلْمَسَاكِينِ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ تَمْرًا مَكْنُوزًا منها وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ جَعَلُوا الظُّرُوفَ وَمُؤْنَةَ الْعَمَلِ فيها عوضاً عن

<<  <  ج: ص:  >  >>