للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ هِيَ أَقْوَى الْحَقَّيْنِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ أَصْلٌ مَقْصُودٌ وَالطَّلَاقَ بَذْلٌ عَلَى وَجْهِ التخيير، فإذا طولب وطلق خرج مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَلَا يَأْثَمُ فِي إِفْسَادِ إِحْرَامِهِ، فَإِذَا فَاءَ فَقَدْ عَصَى بِوَطْئِهِ فِي الْإِحْرَامِ وَأَفْسَدَ بِهِ الْحَجَّ وَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَخَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَوَجَبَتْ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ طُلِّقَ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ:

فَإِنْ قِيلَ فهلا اقتنع مِنْهُ بِفَيْءِ مَعْذُورٍ بِلِسَانِهِ كَالْمَرِيضِ؟ قِيلَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْإِحْرَامَ الْمَانِعَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِهِ، فَكَانَ بِالْإِحْرَامِ غَيْرَ مَعْذُورٍ وَبِالْمَرَضِ مَعْذُورًا وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ آلَى ثُمَّ تَظَاهَرَ أَوْ تَظَاهَرَ ثُمَّ آلَى وَهُوَ يَجِدُ الْكَفَّارَةَ قِيلَ أَنْتَ أَدْخَلْتَ الْمَنْعَ عَلَى نَفْسِكَ فَإِنْ فِئْتَ فَأَنْتَ عَاصٍ وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْكَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَآلَى مِنْهَا ثُمَّ ظَاهَرَ أَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ آلَى كَانَ زَمَانُ الظِّهَارِ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَاسْتُحِقَّتِ الْمُطَالَبَةُ وَهُوَ عَلَى ظِهَارٍ لَمْ يُكَفِّرْ مِنْهُ فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فِي الْوَطْءِ حَقَّانِ مُتَنَافِيَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُحَرِّمُ الْوَطْءَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُكَفِّرَ وَهُوَ الظِّهَارُ.

وَالثَّانِي: يُوجِبُ الْوَطْءَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَهُوَ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ عَجَّلَ الْكَفَّارَةَ فِي الظِّهَارِ وَوَطِئَ فِي الْإِيلَاءِ خَرَجَ مِنْ تَحْرِيمِ الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ وَمَنْ حَقِّ الْإِيلَاءِ بِالْوَطْءِ، وَإِنْ طَلَّقَ خَرَجَ بِالطَّلَاقِ مِنْ حَقِّ الْإِيلَاءِ، وَخَرَجَ مِنْ مَأْثَمِ الظِّهَارِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحَدَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَوَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فِي الظِّهَارِ كَانَ عَاصِيًا بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الظِّهَارِ، وَخَارِجًا بِهِ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ فِي الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالظِّهَارِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ لَمْ يُنْظَرْ، لِأَنَّهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ لَمْ يُنْظَرْ فِي عِتْقِهَا كَمَا لَا يُنْظَرُ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَعْجِيلِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ أُنْظِرَ لِابْتِيَاعِهَا يَوْمًا، وَهَلْ يَبْلُغُ بِإِنْظَارِهِ ثَلَاثًا، عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ.

وَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يَطَأَ طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الرِّدَّةِ وَالْحَيْضِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالرِّدَّةِ وَالْحَيْضِ فِي حَقِّهِمَا وَتَحْرِيمَهُ بِالظِّهَارِ فِي حَقِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>