وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا تَطَوَّعَ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الضَّوَالِّ لَمْ يَرْجِعْ بِعِوَضِهِ كَالْأَعْيَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَلَ الْمَالِكَ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ عِوَضًا فَكَذَلِكَ إِذَا أَوْصَلَ الْمِلْكَ إِلَى مَالِكِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ عِوَضًا لِتَطَوُّعِهِ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَمِلْكِهِ تَطَوُّعًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِهِ عِوَضًا كَمَا لَوْ أَوْصَلَ الْمَالِكَ إِلَى مِلْكِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَالِكٍ خَاصَّةً أَنَّ مِنْ تَطَوَّعَ بِاصْطِنَاعِ مَعْرُوفٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ جُعْلًا كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أبي حنيفة خَاصَّةً أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْجُعْلِ عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مِلْكًا أَوْ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا فَإِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ مِلْكًا بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِلْكًا لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَهِيمَةً أَوْ لُقَطَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ صَبِيًّا قَدْ ضَاعَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَبَطَلَ بِهَذَيْنِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِي رَدِّ الْعَبْدِ شَيْئًا قَالَ: أَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْ ذَكَرُوهُ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ خَاصَّةً قَبْلَ الْمَجِيءِ لِيَصِيرَ مُسْتَحِقًّا لِلْجُعْلِ بِالشَّرْطِ وَإِمَّا لِتَقْرِيرٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْجَعَالَةِ الْفَاسِدَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْإِرْفَاقِ وَالْمَصْلَحَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا رَدُّ الضَّالَّةِ عَنْ أَمْرِ مَالِكِهَا فَضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِرَدِّهَا عِوَضًا فَذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ فَإِنْ كَانَ عِوَضًا مَعْلُومًا وَعَقْدًا صَحِيحًا اسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَانَ عِوَضًا مَجْهُولًا وَعَقْدًا فَاسِدًا اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَكَانَ حِمْلُ الْبَعِيرِ عِنْدَهُمْ مَعْلُومًا كَالْوَسْقِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يُذْكَرَ مَعَ الْأَمْرِ بِالرَّدِّ عِوَضًا لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا بَلْ قَالَ لَهُ فُلَانٌ جِئْنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ أَمْ لَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذلك أولا لِتَرَدُّدِ الْأَمْرَيْنِ بَيْنَ احْتِمَالِ تَطَوُّعٍ وَاسْتِعْجَالٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ لِاسْتِهْلَاكِ مَنَافِعِهِ بِأَخْذِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ إِنَّهُ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اعْتِبَارًا.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إِنِ ابْتَدَأَهُ مَالِكُ الْعَبْدِ بِالْأَمْرِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنِ استئذنه الْجَانِي بِالضَّالَّةِ فَأَذِنَ لَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اقْتِصَارًا عَلَى حُكْمِ أَسْبَقِ الْحَالَيْنِ.
فَلَوِ اخْتَلَفَ مَالِكُ الضَّالَّةِ وَمَنْ رَدَّهَا فِي الْإِذْنِ فقال المالك ردها بِغَيْرِ إِذْنٍ فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ مَنْ رَدَّهَا بَلْ رَدَدْتُهَا عَنْ أَمْرِكَ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ لِبَرَاءَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute