(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِهِ: فَهُوَ أَنْ يُفْلِسَ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ بَاقٍ وَقَدْ قَبَضَ الْبَائِعُ بَعْضَ ثَمَنِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَبِيعِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَيَكُونَ بَاقِي الْمَبِيعِ لِلْمُفْلِسِ يُبَاعُ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا قَبَضَ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنَ اسْتِرْجَاعِ الْمَبِيعِ وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِبَاقِي الثَّمَنِ وَحَكَى نَحْوَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. إِمَّا مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ تَعَلُّقًا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " أيما رجل باع سلعة بِعَيْنِهَا عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ " وَلِأَنَّ الْبَائِعَ إِنَّمَا يَرْجِعُ بِعَيْنِ مَالِهِ لِيُزِيلَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي اسْتِرْجَاعِ بَعْضِ الْمَبِيعِ إِدْخَالُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَفْرِيقِ صَفْقَتِهِ وَسُوءِ مُشَارَكَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزِيلَ ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ بِإِدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا خَطَأٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ " وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَى عَيْنِ مَالِهِ بِالْفَسْخِ جَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَى بعضها بالفسخ كالمزوج يَعُودُ إِلَى جَمِيعِ الصَّدَاقِ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِلَى نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يَلْزَمُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ بِمَعْنَى: أَنَّ الْبَائِعَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ وَيُبَاعُ فِي حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ مَا بَقِيَ فَيَصِيرَ وَافِيَهُ أُسْوَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ الْبَائِعُ بِجَمِيعِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُفْلِسِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ فَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُبْقَى عَلَى مِلْكِهِ وَالْمُفْلِسُ فَلَا يُسْتَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بَلْ يُبَاعُ عَلَيْهِ لِغُرَمَائِهِ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَا بِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَبْضَ بَعْضِ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ مِنَ الْمَبِيعِ بِقِسْطِ بَاقِي الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ نِصْفَ الثَّمَنِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَبِيعِ مَشَاعًا فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدَيْنِ رَجَعَ بِنِصْفِهِمَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ ثُلُثَ الثَّمَنِ وَالْبَاقِي الثُّلُثَانِ رَجَعَ بِثُلُثَيِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا عبد مَشَاعًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضَ مِنَ الثَّمَنِ الثُّلْثَانِ رجع بثلث الثلاثة إلا عبد مَشَاعًا حَتَّى يَتَرَاضَوْا عَلَى الْقِسْمَةِ مِنْ بَعْدُ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِهِ - وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ - فَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَبْدَيْنِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيُفْلِسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْبَائِعُ نِصْفَ الْمِائَةِ وَمَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْعَبْدِ الْبَاقِي بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ مِنَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ التَّالِفِ مِنَ الْعَبْدَيْنِ فَلَوْ كَانَ الْبَاقِي بِأَكْثَرِهِمَا ثَمَنًا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَاقِيَ مِنَ الثَّمَنِ وَرَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّهُمَا ثَمَنًا اسْتَرْجَعَهُ بِحِسَابِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِبَاقِيهِ فَهَذَا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute