[باب الرد بالعيب]
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ أَنَّهُ ابْتَاعَ غُلَامًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَدِّهِ وَغَلَّتِهِ فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَرَدَّ عُمَرُ قَضَاءَهُ وَقَضَى لِمَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ برد الخراج (قال الشافعي) فبهذا نأخذ فما حدث في ملك المشتري من غلة ونتاج ماشية وولد أمة فكله في معنى الغلة لا يرد منها شيئا ويرد الذي ابتاعه وحده إن لم يكن ناقصا عما أخذه به ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَقِيلَ: هُوَ مَنْ عَرَفَ ثِقَتَهُ وَتَسَمَّى اسْمَهُ، وَقِيلَ: بَلْ هُمْ جَمَاعَةٌ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمْ بِالذِّكْرِ فَكَنَّى عَنْهُمْ، فَإِذَا ابْتَاعَ رَجُلٌ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَإِنْ كَانَتِ الْغَلَّةُ مَنَافِعَ كَالسُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمَنَافِعِ لَهُ وَإِنْ كَانَتِ الْغَلَّةُ أَعْيَانًا كَالنَّتَاجِ وَالثِّمَارِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْأَصْلَ بِعَيْنِهِ وَيُمْسِكُ مَا حَدَثَ بِيَدِهِ مِنَ النَّتَاجِ وَالثِّمَارِ لِنَفْسِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ لِأَجْلِ مَا حَدَثَ بِيَدِهِ مِنَ الثِّمَارِ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَرُدُّ الْأَصْلَ وَيَرُدُّ مَعَهُ مِنَ النَّمَاءِ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَالنَّتَاجِ وَلَا يُرَدُّ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ كَالثِّمَارِ.
وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصِلِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَبْرًا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ وَلَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْمِلْكِ فِي الْحَالِ بِدَلِيلِ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَرَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ يُوجِبُ رَدَّ النَّمَاءِ فَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ النَّمَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ وَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ وَالنَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ فَقَالُوا: لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ دُونَ النَّمَاءِ كَالْكِبَرِ وَالسِّمَنِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْوَلَدَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ بِمَنْزِلَةِ أَعْضَائِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا فَانْفِصَالُهُ عَنْهَا يَمْنَعُ مِنَ الرَّدِّ كَانْفِصَالِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ النِّتَاجَ وَلَا يَرُدُّ الثَّمَرَةَ، فَإِنَّ النِّتَاجَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَّا بِبَعْضِ أَجْزَائِهَا وَلَيْسَتِ الثَّمَرَةُ مِنْ أَجْزَاءِ النَّخْلَةِ فَجَازَ أَنْ يَرُدَّهَا دُونَ ثمرتها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute