للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُشْتَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ مَعَ الْعَامِلِ فَفِي الْقِرَاضِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ لِأَنَّ عَمَلَ غُلَامِهِ كَعَمَلِهِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْعَامِلِ بِنَفْسِهِ بَطَلَ الْقِرَاضُ كَذَلِكَ إِذَا شَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْغُلَامَ مَالٌ فَصَارَ اشْتِرَاطُ عَمَلِ الْغُلَامِ مَعَهُ كَاشْتِرَاطِهِ أَنْ يُعَاوِنَهُ بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ حِمَارِهِ ثُمَّ يَحْصُلَ لَهُ ثُلُثَا الرِّبْحِ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ وَثُلُثَهُ لِأَبِيهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَثُلُثَهُ لِلْعَامِلِ فَالْقِرَاضُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ شَرَطَ عَمَلَ أَبِيهِ أَوْ زَوْجَتِهِ مَعَهُ أَوْ لَا، لِأَنَّ أَبَاهُ وَزَوْجَتَهُ يَمْلِكَانِ وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي رِبْحِ مَالِ الْقِرَاضِ فَخَالَفَ حَالَ الْعَبْدِ الَّذِي يَرْجِعُ مَا شَرَطَهُ لَهُ إِلَى سَيِّدِهِ.

فَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ مَا شَرَطَ لِأَبِي رَبِّ الْمَالِ أَوْ زَوْجَتِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ الِاسْمِيَّةِ صَحَّ الْقِرَاضُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا اسْتِعَارَةً لِيَصِحَّ الْقِرَاضُ، وَادَّعَى الْآخَرُ التَّمْلِيكَ لِيَبْطُلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى التَّمْلِيكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَيَكُونُ الْقِرَاضُ بَاطِلًا إِنْ حَلَفَ.

وَلَكِنْ لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيِ الرِّبْحِ لِيَدْفَعَ مِنْهُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ زَوْجَتِهِ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْعَامِلِ صَحَّ الْقِرَاضُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ مَا شَرَطَهُ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ شَرَطَهُ لَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ، وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يُصْدِقَهَا أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَى أَبِيهَا أَلْفًا مِنْهَا كَانَ الصَّدَاقُ جَائِزًا، وَلَا يَلْزَمُهَا دَفْعُ الْأَلْفِ إِلَى أَبِيهَا.

وَمِثَالُ الْأُولَى: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا أُخْرَى كَانَ الصَّدَاقُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الصَّدَاقِ مَا لَا يلزمه بدله.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَهُ إِلَى مدةٍ مِنَ الْمُدَدِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِرَاضَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ عَقْدُهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ يَلْزَمُ فِيهَا، فَلَوْ شَرَطَا مُدَّةً يَكُونُ الْقِرَاضُ فِيهَا لَازِمًا بَطَلَ.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَصِحُّ. وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ كَالشَّرِكَةِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ مُطْلَقًا فَبَطَلَ مُؤَجَّلًا كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاشْتِرَاطُ الْمُدَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَا لُزُومَ الْعَقْدِ فِيهَا فَيَكُونُ الْقِرَاضُ بَاطِلًا لِمَا ذَكَرْنَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا الْفَسْخَ فِي الْعَقْدِ بَعْدَهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَا فَسْخَ الْقِرَاضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فِي البيع والشراء، فيكون القراض باطلاً لمنافاته مُوجَبُ الْعَقْدِ فِي بَيْعِ مَا حَصَلَ فِي الْقِرَاضِ مِنْ عِوَضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>