لِتَتَكَامَلَ بِهَا الْحُرِّيَّةُ فِي جُزْءٍ، وَيَتَكَامَلَ بِهَا الرِّقُّ فِي جُزْأَيْنِ، فَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ لِاعْتِبَارِهِمَا فِي الثُّلُثِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسِتَّةِ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ أُمْضِيَتِ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يَكْمُلُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِتْقُهُمْ بِمَثَابَتِهِ فِي حُرِّيَّةِ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يَكْمُلُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الِاشْتِرَاكِ، فَلَمْ يَلْزَمْ تَكْمِيلُهُ بِالْقُرْعَةِ، وَالْمَقْصُودَ بِالرِّقِّ إِزَالَةُ أَحْكَامِ الرِّقِّ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الِاشْتِرَاكِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَكْمِيلُهُ بِالْقُرْعَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِجَازَةِ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ، فَاسْتَغْنَى عَنْ تَكْمِيلِهِ بِالْوَصِيَّةِ، وَالْمُعْتِقَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَافْتَقَرَ إِلَى تَكْمِيلِهِ بِالْقُرْعَةِ.
وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي: أَنْ قَالُوا: إِنَّ حُكْمَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ كَحُكْمِ الصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ مَلَكَ الثُّلُثَ مِنْ سِتَّةِ أَعْبُدٍ، فَأَعْتَقَهُمْ لَمْ يَكْمُلْ عِتْقُهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَعَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَهَ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَمْلِكُهُ، فَوَجَبَ مِثْلُهُ فِي الْمَرِيضِ إِذَا مَلَكَهُمْ، وَأَعْتَقَهُمْ، وَحَقُّهُ فِي الثُّلُثِ مِنْهُمْ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَهُ وَلَا يَكْمُلُ عِتْقُهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَالِكَ الثُّلُثِ يَكُونُ مُكَمِّلًا لَهُمْ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَمُنِعَ وَالْمَرِيضَ يُكَمِّلُ لِلثُّلُثِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَالِكَ الثُّلُثِ لَوْ عَيَّنَ عِتْقَهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَمْ يَجُزْ، وَالْمَرِيضَ لَوْ عَيَّنَ عِتْقَهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ جَازَ فَافْتَرَقَا.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقُرْعَةُ الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا الْحُرِّيَّةُ مِنَ الرِّقِّ، فَمَنَعَ مِنْهَا أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْعَةَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ تَنْقُلُ الْحُرِّيَّةَ إِلَى الرِّقِّ، وَالرِّقَّ إِلَى الْحُرِّيَّةِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْأَزْلَامِ الَّتِي مَنَعَ مِنْهَا الشَّرْعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠] وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْعَةَ إِنَّمَا دَخَلَتْ لتمييز عتق مطلق غير معين فلم ينقل الحرية إلى