مُشْتَرَكٌ بَيْنَكُمَا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ خَالِصٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تعيينه عند الاستيفاء، وحقك فيهما أقوى، ولا بد مِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالرُّجُوعِ فِيهِمَا إِلَى خِيَارِكِ لِقُوَّةِ حَقِّكِ فِيهِمَا عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ، فَأَيُّهُمَا قُدِّمَ فِي الِاسْتِيفَاءِ كَانَ عَلَى مَا مَضَى، فَإِنِ اخْتَلَفَا أَوْ طَالَبَ الزَّوْجُ تَقْدِيمَ الثَّانِي لِيَلْتَعِنَ مِنْهُ، وَطَلَبَتِ الزَّوْجَةُ تَقْدِيمَ الْأَوَّلِ لِيُحَدَّ فِيهِ فَيُعْمَلُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ، لِأَنَّهَا طَالِبَةٌ، وَالزَّوْجَ مَطْلُوبٌ، فَلَوِ اسْتَوْفَى مِنْهُ أَحَدَ الْحَدَّيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الزَّوْجُ: هُوَ الْحَدُّ الْأَوَّلُ وَلِي أَنْ أَلْتَعِنَ مِنَ الثَّانِي، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ: بَلْ هُوَ الْحَدُّ الثَّانِي وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَلْتَعِنَ مِنَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ مِنَ اللِّعَانِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي إِسْقَاطِهِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا قَذَفَ زَوْجَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَذَفَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِزِنَاءٍ آخَرَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْقَذْفَ الأول ها هنا فِي حُكْمِ الْقَذْفِ الثَّانِي هُنَاكَ لِأَنَّهُمَا فِي الزوجية، والقذف الثاني ها هنا فِي حُكْمِ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ هُنَاكَ لِأَنَّهُمَا فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَيَكُونُ الْقَذْفُ فِيهِمَا وَاحِدًا، فَتَعَلَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَذْفَيْنِ حُكْمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ تَقْسِيمٍ وَجَوَابٍ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا قَذَفَ زَوْجَهُ وَالْتَعَنَ مِنْهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بَعْدَ اللِّعَانِ بِزِنَاءٍ آخَرَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْسِبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ لِعَانِهِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ، لِأَنَّ حَصَانَتَهَا مَعَهُ قَدِ ارْتَفَعَتْ بِلِعَانِهِ، فَإِنْ كَانَتْ حَصَانَتُهَا بَاقِيَةً مَعَ غَيْرِهِ، وَجَرَى لِعَانُهُ فِي حَقِّهِ مَجْرَى الْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ عُزِّرَ لِلْأَذَى.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ ينسبه إلى ما قبل لعانه وقبل زوجتيه فَيُحَدُّ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَدُّ بِمَا تَجَدَّدَ مِنْ لِعَانِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَنْسِبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ نِكَاحِهَا وَقَبْلَ لِعَانِهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحَدُّ لَهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْتِعَانِهِ مِنْهَا بَاقِيَةٌ عَلَى حَصَانَتِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا حَدَّ عَلَيْهِ لَكِنْ يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ إِذَا نَفَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّسَبِ رَفَعَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْحَصَانَةِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ وَلَا التَّعْزِيرِ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَ بِهِ نَسَبًا لَمْ يَنْفِهِ بِلِعَانِهِ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ إِلَى نَفْيِهِ أَنْ يَلْتَعِنَ ثَانِيَةً لِنَفْيِهِ فَيَتْبَعُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا وَلَمْ يَلْتَعِنَ حَتَّى قَذَفَهَا بِزِنَاءٍ آخَرَ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ فِيهِمَا حَدٌّ وَاحِدٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حَدَّانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ وَتَخْرِيجَهُمَا فَإِنْ لَاعَنَ مِنْهُمَا