إِمَّا أَنْ يَسْتَوْفِيَ قِصَاصَهُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَيَتْرُكَ فَاضِلَهُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، أَوْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، وَيَتْرُكَ فَاضِلَهُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، أَوْ يَسْتَوْفِيَهُ من مؤخره، وبترك فَاضِلَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ، أَوْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ وَسَطِهِ وَيَتْرُكَ فَاضِلَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ طَرَفَيْهِ وَيَتْرُكَ فَاضِلَهُ مِنْ وَسَطِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ إِذَا فُصِلَ بَيْنَهُمَا صَارَتَا مُوضِحَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ بِمُوضِحَتَيْنِ، وَيَجِيءُ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دِيَةِ هَذَا الْقَاتِلِ أن يَجُوز لَهُ ذَلِكَ لِيَجْرِيَ عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ من الجناية حكم الموضحة، وليس بصحيح، لما ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ طُولُ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ عِشْرِينَ أصْبعا، وَطُولُ رَأْسِ الشَّاجِّ خَمْسَةَ عَشْرَةَ أصْبعا، فَيَسْتَوْعِبُ فِي الِاقْتِصَاصِ طُولَ رَأْسِ الشَّاجِّ، وَقَدْرُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمُوضِحَةِ، فَلَا يَسْتَوْفِي الرُّبْعَ الْبَاقِيَ مِنَ الجَبْهَةِ وَلَا مِنَ القَفَا، وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الرَّأْسِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِصَاصِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَصَّ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ مِنَ الرَّأْسِ، وَلَا فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ مِنَ الوَجْهِ، وَيُرْجَعُ عَلَى الْجَانِي بِقِسْطِ ذَلِكَ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ رُبْعُ أَرْشِهَا، لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهَا رُبْعُهَا، وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا ثُلْثَهَا رَجَعَ بِثُلْثِ أَرْشِهَا، وَخَرَّجَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ احْتِمَالَ وَجْهٍ ثَانٍ، أَنَّهُ يَرْجِعُ عَنِ الْبَاقِي مِنْهَا بِجَمِيعِ أَرْشِ الْمُوِضِحَةِ، لِأَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ يَكْمُلُ فِيمَا قَلَّ مِنْهَا وَكَثُرَ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَالْفَصْلُ فِيهَا أَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، فَاسْتَوَى الْأَرْشُ فِي جَمِيعِهَا، وَلَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَاقِي مِنْ هَذِهِ الْمُوضِحَةِ اسْمُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ بَعْضِهَا فَلَمْ يُسْتَحَقَّ فِيهِ إِلَّا بَعْضُ أَرْشِهَا، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةُ الْمَشْجُوجِ بَيْنَ قَرْنَيْ رَأْسِهِ، وَكَانَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ رَأْسِ الشَّاجِّ أَضْيَقَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ إِلَى مَا يُجَاوِزُهُمَا. وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرَّأْسِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّ الْقِصَاصِ وَرَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا اسْتُوفِيَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ اخْتِلَافُ الشَّجَّتَيْنِ قبل الاندمال، فلو اندمل جرح [المشجوج شائناً ظاهر العظم غير ملتحم الجلد واندمل جُرْحُ] الشَّاجِّ حَسَنًا قَدْ تَغَطَّى لَحْمُهُ وَالْتَحَمَ جِلْدُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْمَشْجُوجِ فِي زِيَادَةِ الشَّيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي الْقِصَاصِ وَقَدِ اسْتَوْفَاهُ.
وَكَذَلِكَ لَوِ انْعَكَسَ فَكَانَ الشَّيْنُ فِي جِرَاحَةِ الشَّاجِّ دُونَ الْمَشْجُوجِ، وَكَانَتْ زِيَادَةُ الشَّيْنِ هَدَرًا كَمَا تَكُونُ سِرَايَتُهَا هَدَرًا، فَلَوْ تَجَاوَزَ مُسْتَوْفِي الْقِصَاصِ مِقْدَارَ الْمُوضِحَةِ، وَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الزِّيَادَةِ إِنْ عَمَدَ، وَأَرْشُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute