للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ " حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ " وَلَمْ يُوَقِّتْ لَهَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثًا وَلَا سَبْعًا، وَقَالَ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ: " صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ ماءٍ "، وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ لَمَّا لَمْ يَزَلْ فِي الْحَدَثِ مُسْتَحِقًّا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي النَّجَاسَةِ مُسْتَحِقًّا، وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ لَمْ يُرِدِ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الطُّهُورَيْنِ، فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْعَدَدَ، وَتَطْهِيرُهَا كَالْأَعْيَانِ، لِأَنَّ أبا حنيفة يَعْتَبِرُ الْعَدَدَ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ أَثَرٌ، وَلَا يَعْتَبِرُهُ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ، وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ أَصْلٍ طَاهِرٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِيهَا الْعَدَدُ كَدَمِ الشَّاةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَرَّةٌ، فَالْمُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يده في الإناء حتى يغسلهما ثَلَاثًا " فَلَمَّا أَمَرَ بِالثَّلَاثِ مَعَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ، كَانَ الْأَمْرُ بِهَا مَعَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ أولى.

[(فصل: أقسام النجاسات)]

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فِي النَّجَاسَةِ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِهَا مَرَّةً وَاسْتِحْبَابِ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، فَلَا يَخْلُو حَالُ النَّجَاسَاتِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إِذَا حَصَلَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءُ ثَوْبًا، فَالْوَاجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً يَغْمُرُهُ الْمَاءُ فِيهَا فَيَطْهُرَ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهَا لَوْنٌ وَرَائِحَةٌ كَالْخَمْرِ وَالْغَائِطِ فَالْوَاجِبُ غَسْلُهُ حَتَّى يَزُولَ لَوْنُهُ وَرَائِحَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَزُولَا بِالْمَرَّةِ غَسَلَهُ ثَانِيَةً، فَإِنْ لَمْ يَزُولَا غَسَلَهُ ثَالِثَةً وَرَابِعَةً، فَإِنْ زَالَ اللَّوْنُ دُونَ الرَّائِحَةِ أو زالت الرائحة اللَّوْنِ فَهُوَ عَلَى نَجَاسَتِهِ، حَتَّى تَزُولَ الصِّفَتَانِ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لَهَا رَائِحَةٌ وَلَيْسَ لَهَا لَوْنٌ كَالْبَوْلِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى تَزُولَ رَائِحَتُهُ إِمَّا بِمَرَّةٍ أَوْ بِأَكْثَرَ اعْتِبَارًا بِحَالِ زَوَالِهَا، فَإِذَا زَالَتْ رَائِحَتُهُ طَهُرَتْ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَهَا لَوْنٌ وَلَيْسَ لَهَا رَائِحَةٌ كَالدَّمِ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى يَزُولَ لَوْنُهَا بِمَرَّةٍ أَوْ مِرَارٍ فَإِنْ زَالَ اللَّوْنُ، وَبَقِيَ الْأَثَرُ فَإِنْ تَيَسَّرَ زَوَالُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَالنَّجَاسَةُ بَاقِيَةٌ حَتَّى يَزُولَ الْأَثَرُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ زَوَالُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ خَالِيَةٍ مِنْ عِلَاجٍ أَوْ صَنْعَةٍ كَالْأَثَرِ كَانَ الْأَثَرُ مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ مَا وَهِمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا حَيْثُ حَكَمَ بِبَقَاءِ نَجَاسَتِهِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ لِرِوَايَةِ يَزِيدَ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>