فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ إِنْكَارُ الزَّوْجَةِ لِلْخُلْعِ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، كَمَا كَانَ إِنْكَارُ الْمُشْتَرِي لِلشِّرَاءِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَالْبَائِعُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْمِلْكِ، كَمَا أَنَّ الزوج مقر له بِالطَّلَاقِ.
قِيلَ: لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّمْلِيكُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَوْ عَادَتِ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ فَاعْتَرَفَتْ لِلزَّوْجِ بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْعِوَضِ لَزِمَهَا دَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَلَوْ عَادَ الزَّوْجُ فَصَدَّقَهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَالَعَهَا وَلَا طَلَّقَهَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الطَّلَاقِ، وَلَا فِي سُقُوطِ الرَّجْعَةِ، لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالتَّحْرِيمِ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ رَجَعَ عَنْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
(فَصْلٌ:)
وَإِنِ ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ: قَدْ خَالَعْتَنِي عَلَى طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ: مَا خَالَعْتُكِ وَلَا طَلَّقْتُكِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ بَيِّنَةٌ، فَإِذَا حَلَفَ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، وَلَا أَلْفَ لَهُ، وَإِنِ اعْتَرَفَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِهَا فَإِنْ أَقَامَتِ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ قُبِلَ يَمِينُهُ أَوْ بَعْدَهَا سُمِعَتْ، وَبَيِّنَتُهَا شَاهِدَانِ لَا غَيْرَ، لِأَنَّهَا بَيِّنَةُ إِثْبَاتِ طَلَاقٍ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ فَاعْتَرَفَ بِالْخُلْعِ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا قُضِيَ لَهُ بِالْأَلْفِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ لَزِمَهُ، والزوجة معترفة له بالألف.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْخُلْعِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ ذِمِّيًّا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: التَّوْكِيلُ فِي الْخُلْعِ جَائِزٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: ٣٥] . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُخَالِعَا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْخُلْعِ.
وَلِأَنَّ عَقْدَ الْخُلْعِ جَامِعٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ، وَالتَّوْكِيلَ جَائِزٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَجَازَ فِيمَا جَمَعَهُمَا.
وَلِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ أَغْلَظُ مِنْ رَفْعِهِ بِالْخُلْعِ وَالتَّوْكِيلُ فِي النِّكَاحِ جَائِزٌ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ فِي الْخُلْعِ، وإذا كان ذلك جائز جَازَ أَنْ تُوَكِّلَ الزَّوْجَةُ دُونَ الزَّوْجِ، وَأَنْ يُوَكِّلَ الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ فِي الْخُلْعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ، وَالزَّوْجَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَيَجُوزُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ وَيُوَكِّلَ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ تَوْكِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْخُلْعِ فَصِفَةُ الْوَكِيلَيْنِ تَخْتَلِفُ، لِأَنَّ وَكَالَةَ الزَّوْجَةِ فِي مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ، وَوَكَالَةَ الزَّوْجِ فِي مُعَاوَضَةٍ وَطَلَاقٍ وَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي وَكَالَتِهِمَا تَنْقَسِمُ في حق الوكيلين أربعة أقسام:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute