للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا بَيْضُ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ بِحَالٍ، فَلَوْ كَسَرَهُ إِنْسَانٌ فَضَمِنَهُ، لم يجز له ولا لغيره، أن أكله قَوْلًا وَاحِدًا، فَأَمَّا بَيْضُ الْحِلِّ فَحَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، حَلَالٌ لِلْمُحِلِّ، فَلَوْ أَفْسَدَ الْمُحْرِمُ بَيْضًا فِي الْحِلِّ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْمُحْرِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مِثْلُهُ فِي تَحْرِيمِهِ عليهم، فأما المحلون يجوز لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ مُحْرِمٌ، وَجَهِلَ بَعْضُ مُتَأَخَّرِي أَصْحَابِنَا، فَخَرَّجَ جَوَازَ أَكْلِ الْحَلَالِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالصَّيْدِ، وَهَذَا قَوْلٌ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى ذَكَاةٍ، فَيَكُونُ فِعْلُ الْمُحْرِمِ فِيهِ غَيْرَ ذَكَاةٍ؛ وَكَذَلِكَ الْجَرَادُ وَلَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ فِي الْحِلِّ جَازَ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَيِّتًا، فَلَمْ يَكُنْ قَتْلُ الْمُحْرِمِ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ بَيْضِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ إِذَا أَفْسَدَهُ مُفْسِدٌ أَنْ يُؤْكَلَ بِحَالٍ، وَبَيْنَ بَيْضِ الْحِلِّ إِذَا أَفْسَدَهُ الْمُحْرِمُ، حَيْثُ جاز أن يأكل الْمُحِلُّ؟

قِيلَ: لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بِكَسْرِهِ، وَحُرْمَةُ الْإِحْرَامِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي المحلين فزالت عنه بكسره.

مسألة: قال الشافعي: رضي الله عنه: " وَإِنْ نَتَفَ طَيْرًا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ النَتْفُ فَإِنْ تَلِفَ بَعْدُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ ممتنعاً حتى يعلم أنه مات من نتفه فإن كان غير ممتنع حبسه وألقطه وسقاه ممتنعاً وفدى ما نقص النتف منه وكذلك لو كسره فجبره فصار أعرج لا يمتنع فداه كاملاً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ مِنَ الصَّيْدِ الْمَضْمُونِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى امْتِنَاعِهِ بَعْدَ النَّتْفِ، أَوْ يَصِيرَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بَعْدَ النَّتْفِ، فَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ النَّتْفِ فَالْكَلَامُ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِفَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: ضَمَانُ نَقْصِهِ بِالنَّتْفِ.

وَالثَّانِي: ضَمَانُ نَقْصِهِ بِالتَّلَفِ.

فَأَمَّا ضَمَانُ نَقْصِهِ بالتلف، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ مَا نَتَفَ مِنْ رِيشِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْهُ، وَهُوَ: أَنْ يُقَوِّمَهُ قَبْلَ نَتْفِ رِيشِهِ، فَإِذَا قِيلَ: عَشْرُ دَرَاهِمَ، قَوَّمَهُ بَعْدَ نَتْفِ رِيشِهِ، فَإِذَا قِيلَ: تِسْعَةٌ، عَلِمَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عُشْرُ القيمة، وينظر فِي الطَّائِرِ الْمَنْتُوفِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ شَاةٌ، فَعَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَنِ شَاةٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعُشْرُ شَاةٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ، وَإِنْ كَانَ مَا يَجِبُ قِيمَتُهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَهُوَ: دِرْهَمٌ وَاحِدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>