للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ أَضَافَهُ إِلَى غَيْرِ اللَّحْمِ، فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَالْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ " فَهَذَا مَا تَعَلَّقَ بِاللَّحْمِ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا الشَّحْمُ، فَهُوَ شَحْمُ الْكَرِشِ وَالْكُلَى، فَيَحْتَوِي عَلَيْهِ اللَّحْمُ، وَلَا يَتَّصِلُ بِالْعَظْمِ فَيَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا.

فَأَمَّا الشَّحْمُ الَّذِي يَتَخَلَّلُ اللَّحْمَ، فَهُوَ مُلْحَقٌ بِاللَّحْمِ دُونَ الشَّحْمِ، لِأَنَّهُ مِنْ سِمَنِ اللَّحْمِ، فَكَانَ فِي حُكْمِهِ، فَيَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا. وَأَمَّا شَحْمُ الْعَيْنَيْنِ، فَيَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَلَحْمِ الرَّأْسِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ.

أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: يَحْنَثُ بِهِ لِانْطِلَاقِ اسْمِ الشَّحْمِ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ إِلَّا بِقَرِينِهِ، فَيُقَالُ: شَحْمُ الْعَيْنِ، وَلَا يُقَالُ شَحْمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

وَأَمَّا الدِّمَاغُ فَلَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَلَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: " أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

إِذَا انْتَقَلَتْ أَسْمَاءُ الْجِنْسِ بِانْتِقَالِ أَحْوَالِهِ خَرَجَتْ مِنْ أَحْكَامِ أَيْمَانِهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا، وَلَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ بُسْرًا.

وَيَصِيرُ تَمْرًا لِمَعْنَيَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: مُفَارَقَتُهُ لَهُمَا فِي الِاسْمِ.

وَالثَّانِي: مُفَارَقَتُهُ لَهُمَا فِي الصِّفَةِ.

وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فأكل رطباً أو بسراً لم يحنث للمعينين.

وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا، فَأَكَلَ طَلَعَا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ لِلْمَعْنَيَيْنِ. وَأَمَّا إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّطَبَ أَوْ لَا يَأْكُلُ الْبُسْرَ، فَأَكَلَ مُنَاصَفَةً بَعْضَهَا رطباً وبعضها بسر، فَإِنْ أَكَلَ الْبُسْرَ مِنْهَا حَنِثَ بِهِ فِي الْبُسْرِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ فِي الرُّطَبِ. وَإِنْ أَكَلَ الرُّطَبَ مِنْهَا حَنِثَ بِهِ فِي الرُّطَبِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ فِي الْبُسْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>