وَإِنِ اعْتَذَرَ بِمَطَرٍ يَبُلُّ الثَّوْبَ كَانَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ فَرْضِ الْجُمُعَةِ، وَإِنِ اعْتَذَرَ بِزِحَامِ النَّاسِ فِي الْوَلِيمَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْإِجَابَةِ وَقِيلَ احْضُرْ، فَإِنْ وَجَدْتَ سَعَةً وَإِلَّا عُذِرْتَ فِي الرُّجُوعِ.
فَصْلٌ
فَإِنْ كَانَتِ الْوَلِيمَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَدُعِيَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَتِ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاسْتُحِبَّتْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ تَجِبْ، وَكُرِهَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْوَلِيمَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ وَفِي الثَّالِثِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ ".
وَإِذَا دَعَاهُ اثْنَانِ فِي يَوْمٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحُضُورِ إِلَيْهِمَا لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَزِمَتْهُ إِجَابَةُ أَسْبَقِهِمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْجِوَارِ أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقَرَابَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَأَجَابَ مَنْ قرعٍ مِنْهُمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا دَعَاكَ اثْنَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا، فَإِنْ جَاءَا مَعًا فَأَجِبْ أَسْبَقَهُمَا؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي: " وَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ صَائِمًا أَجَابَ الدَّعْوَةَ وَبَرَّكَ وَانْصَرَفَ وَلَيْسَ بحتمٍ أَنْ يَأْكُلَ وَأُحِبُّ لَوْ فَعَلَ وَقَدْ دُعِيَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَجَلَسَ وَوُضِعَ الطَّعَامُ فَمَدَّ يَدَهُ وَقَالَ خذوا بسم اللَّهِ ثَمَّ قَبَضَ يَدَهُ وَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ الْمَدْعُوُّ صَائِمًا لَزِمَهُ الْحُضُورُ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ، وَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ ".
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِحُضُورِهِ التَّجَمُّلُ أَوِ التَّكَثُّرُ أَوِ التَّوَاصُلُ وَالصَّوْمُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا حَضَرَ الصَّائِمُ لَمْ يَخْلُ صَوْمُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا لَمْ يُفْطِرْ وَدَعَا لِلْقَوْمِ بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوِ الِانْصِرَافِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَفِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَيُفْطِرَ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلْيُفْطِرْ وَإِلَّا فَلْيُصِلِّ " أَيْ فَلْيَدْعُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ فِي عِبَادَةٍ فَلَمْ تَلْزَمْهُ مُفَارَقَتُهَا؛ وَلِأَنَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَحْظُرُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَيُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute