للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْأَرَضِينَ لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْهَا، فَيَجُوزُ ويكون هذا الخراج جزية، والأملاك طلق يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيُنْظَرُ فِي بِلَادِهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْطِنْهَا الْمُسْلِمُونَ، فَهِيَ دَارُ عَهْدٍ، وَلَيْسَتْ دَارَ إِسْلَامٍ، وَلَا دَارَ حَرْبٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ أهلها بالخراج من غير جزية رؤوسهم، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهَا مِنْ أَحْكَامِنَا إِلَّا مَا يَجْرِي عَلَى الْمُعَاهِدِينَ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنِ اسْتَوْطَنَهَا الْمُسْلِمُونَ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ، وَصَارَ الْمُشْرِكُونَ فِيهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ يَجِبُ عليهم جزية رؤوسهم فإن جمع عليهم بين جزية رؤوسهم وبين جزية أرضهم جَازَ، وَإِنِ اقْتَصَرَ مِنْهُمْ عَلَى جِزْيَةِ أَرْضِهِمْ وَحْدَهَا جَازَ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا دِينَارًا فَصَاعِدًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِمْ بَيْنَ جزية روؤسهم وَجِزْيَةِ أَرْضِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى جِزْيَةِ الْأَرْضِ وَحْدَهَا، وَهَذَا فَسَادٌ، لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَاحِدَةٌ لَا يَجُوزُ مُضَاعَفَتُهَا عَلَى ذِي مَالٍ وَلَا غَيْرِهِ كَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَتْ عنهم جزية رؤوسهم وَجِزْيَةُ أَرْضِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ أَرْضِهِمْ بِالْإِسْلَامِ احْتِجَاجًا لَا خَرَاجَ عَنْ أَرْضٍ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْإِسْلَامِ كَالْخَرَاجِ عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ.

وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ، وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ "، وَلِأَنَّهُ مَالٌ حُقِنَتْ بِهِ دِمَاؤُهُمْ فَوَجَبَ أَنْ يسقط بإسلامهم كالجزية على الرؤوس.

فَأَمَّا خَرَاجُ أَرْضِ السَّوَادِ فَلَيْسَ بِجِزْيَةٍ، وَهُوَ أجرة أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَثَمَنٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِيهِ، فَافْتَرَقَا، وَهَكَذَا لَوْ بَاعُوا أَرْضَهُمْ عَلَى مُسْلِمٍ سَقَطَ خَرَاجُهَا عَنْهُ كَمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِمْ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ مِنْ أَرْضِ الصُّلْحِ كَمَا يَكْتَرِي دَوَابَّهُمْ وَالْحَدِيثُ الَذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَهَذَا كِرَاءٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا كَانَتْ أَرْضُ الصُّلْحِ مِلْكًا لِلْمُشْرِكِينَ، وَعَلَيْهَا خَرَاجٌ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مِنْهُمِ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَرِهَهُ الإسلام لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ، وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ "

<<  <  ج: ص:  >  >>