للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: مَا فَتَحُوهُ عَنْوَةً، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ قَهْرًا، فَهِيَ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ بَعْدَ أَخْذِ خُمْسِهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ، وَلِلْغَانِمِينَ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيمَا قُسِّمَ لَهُمْ تَصَرُّفَ الْمَالِكِينَ بِالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ خِلَافًا قَدَّمْنَاهُ، وَتَكُونُ أَرْضَ عُشْرٍ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَسْتَنْزِلَهُمُ الْإِمَامُ عَنْهَا كَالَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ فَيَكُونَ حُكْمًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَدْ صَارَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا دَارَ إِسْلَامٍ، وَأَرْضُهَا مَعْشُورَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُشْرًا أَوْ خَرَاجًا، فَإِنْ جَعْلَهَا خَرَاجًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى الْعُشْرِ، وَإِنْ جَعَلَهَا عُشْرًا جَازَ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى الْخَرَاجِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: نَصٌّ وَتَعْلِيلٌ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فِي أَرْضِهِمْ فَكَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا خَرَاجًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَرَاجَ أحد الجزيتين، فلم يجز أن يؤحذ من مسلم كالجزية على الرؤوس.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا جَلَا عَنْهُ أَهْلُهُ مِنَ الْبِلَادِ خَوْفًا حَتَّى اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَأَرْضُهُمْ فِي مَخْمُوسٍ تُوقَفُ رِقَابُهَا وَيُصْرَفُ ارْتِفَاعُهَا مَصْرِفَ الْفَيْءِ، فَإِنْ ضَرَبَ الْإِمَامُ عَلَيْهَا خَرَاجًا جَازَ، وَكَانَ الْخَرَاجُ أُجْرَةً يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ، فَيَكُونُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ الْخُمْسِ مَصْرُوفًا إِلَى الْجَيْشِ خَاصَّةً، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي فِي جَمِيعِ الْمَصَالِحِ الَّتِي مِنْهَا أَرْزَاقُ الْجَيْشِ، وَفِيمَا يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ وَقْفًا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَلَا يُرَاعَى فِيهَا لَفْظُ الْإِمَامِ بِوَقْفِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِيرُ وَقْفًا إِلَّا أَنْ يَتَلَفَّظَ الْإِمَامُ بِوَقْفِهَا.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا صُولِحَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَرْضِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ بِخَرَاجٍ يُؤَدِّيهِ أَهْلُهَا إِلَى الْإِمَامِ، فَهَذِهِ الْأَرْضُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَتَصِيرُ وَقْفًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ صَارَتْ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الصُّلْحِ.

وَالثَّانِي: بِأَنْ يَتَلَفَّظَ الْإِمَامُ أَوْ مَنِ اسْتَنَابَهُ فِيهَا بِوَقْفِهَا، وَتَصِيرُ الْأَرْضُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَسَائِرِ الْوُقُوفِ، وَلَا يَقَرُّ فِيهَا أَهْلُهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إلا بالجزية المؤداة عن رؤوسهم، وَلَا تَسْقُطُ جِزْيَتُهُمْ بِخَرَاجِ أَرْضِهِمْ، لِأَنَّ خَرَاجَهَا أُجْرَةٌ لَا جِزْيَةٌ.

فَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَى يَدِ مُسْلِمٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خَرَاجُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أسلم أهلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>