أَحَدُهُمَا: تُعْتَبَرُ صِحَّتُهَا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ كَالْمَعَانِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُعْتَبَرُ صِحَّتُهَا بِسِتَّةِ شُرُوطٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ من فرق بين المعاني والعلل.
[(فصل: [إثبات العلة بالاستنباط وطرق الاستدلال] )]
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي صِحَّةِ الْمَعَانِي وَالْعِلَلِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَنْبِطِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَا حُكْمَ الْأَصْلِ فِي الْكَشْفِ عَنْ مَعَانِيهِ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهَا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَنُصُبِ الزَّكَوَاتِ عَلِمَ أَنَّ مَعَانِيَهُ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى النَّصِّ وَمُعْتَبَرٌ بِالِاسْمِ.
وَإِنْ وَجَدَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ مَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا في الحكم سير جَمِيعَ مَعَانِيهِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لِيَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مُعْتَبَرًا بِأَقْوَى مَعَانِيهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَخْلُ مَعَانِي الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا: -
فَإِنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِجَمِيعِ مَعَانِي الْأَصْلِ كَالرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهِيَ الْعِلَّةُ الْوَاقِفَةُ وَهَلْ يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِالْمَعْنَى أَوْ بِالِاسْمِ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ:
وَإِنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَعْضِ مَعَانِيهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِأَحَدِ مَعَانِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَصِحَّ.
فَإِنْ صَحَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِأَحَدِهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْلَمَ مِنْ مُعَارَضَتِهِ بِمَعْنًى آخَرَ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ عِلَّةً فِي حُكْمِ الْفَرْعِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَتَعَارَضَ مَعَانِي الْأَصْلِ فِي جَوَازِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَّفِقَ أَحْكَامُهَا فِي الْفُرُوعِ فَيُوجِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا يُوجِبُهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ الْمُسْتَنْبِطُ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِأَيِّهَا شَاءَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمَ الْأَصْلِ بِأَيِّ دَلَالَةٍ شَاءَ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَخْتَلِفَ أَحْكَامُ الْمَعَانِي فِي الْفُرُوعِ، فَيُوجِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَا يُوجِبُهُ الْآخَرُ، كَتَعْلِيلِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِأَنَّهُ مُقْتَاتٌ، وَبِأَنَّهُ مَأْكُولٌ، وَبِأَنَّهُ مَكِيلٌ،