عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ، فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي تَوْبَتِهِ شَرْطَانِ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي تَوْبَتِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتُقْبَلِ، وَالِاعْتِرَافُ بِهِ عِنْدَ مُسْتَوْفِي الْحَدِّ، لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فِي سُقُوطِ الْمَأْثَمِ، وَمَا تَعَلَّقَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَأَمَّا ثُبُوتُ الْعَدَالَةِ وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ فَمُعْتَبَرٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ بِصَلَاحِ حَالِهِ وَاسْتِبْرَاءِ أَفْعَالِهِ بِزَمَانٍ يُخْتَبَرُ فِيهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ تاب وآمن وعمل صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٢٥] .
وَصَلَاحُ حَالِهِ مُعْتَبَرٌ بِزَمَانٍ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّهِ، فَاعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَاعْتَبَرَهُ أَصْحَابُنَا بِسَنَةٍ كَامِلَةٍ، لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الشَّرْعِ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَأَجَلِ الْعُنَّةِ، وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُهَيِّجَةِ لِلطِّبَاعِ، فَإِذَا سَلِمَ فِيهَا مِنِ ارْتِكَابِ مَا كَانَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَاصِي صَحَّتْ عَدَالَتُهُ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ.
وَالثَّانِي: عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ بِالْقَوْلِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: رِدَّةٌ فِي الدِّينِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: قَذْفٌ بِالزِّنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ.
فَأَمَّا الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا بَعْدَ النَّدَمِ وَالْعَزْمِ، يَكُونُ بِمَا أَسْلَمَ بِهِ الْكَافِرُ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ بِالْقَوْلِ كَانَتْ تَوْبَتُهُ بِالْقَوْلِ، كَمَا أَنَّ مَعْصِيَةَ الزِّنَا لِمَا كَانَتْ بِالْفِعْلِ كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنْهَا بِالْفِعْلِ، فَإِذَا أَتَى الْمُرْتَدُّ بِمَا يَكُونُ بِهِ تَائِبًا عَادَ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ تَوْبَتِهِ حَتَّى تَظْهَرَ مِنْهُ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ نُظِرَ فِي التَّوْبَةِ، فَإِنْ كَانَتْ عَنْهُ اتِّقَاءً مِنْهُ لِلْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَّا أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ وَصَلَاحِ عَمَلِهِ، وَإِنْ تَابَ مِنَ الرِّدَّةِ عَفْوًا غَيْرَ مُتَّقٍ بِهَا الْقَتْلَ عَادَ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَى عَدَالَتِهِ.
وَأَمَّا الْقَذْفُ بِالزِّنَا، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَلَا يَكُونُ بَعْدَ النَّدَمِ وَالْعَزْمِ إِلَّا بِالْقَوْلِ، لأن معصية بِالْقَوْلِ كَالرِّدَّةِ، فَيُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: النَّدَمُ عَلَى قَذْفِهِ.