وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ فِي اسْتِدَامَةِ إِيلَاجِ الصَّائِمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ إِلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً عَلَى تَصَارِيفَ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَافْتَرَقَا.
(فَصْلٌ:)
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُخْرِجَ الْحَشَفَةَ بَعْدَ إِيلَاجِهَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ إِيلَاجًا بَعْدَهَا فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ بِالْإِيلَاجَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ مَنْسُوبَتَيْنِ إِلَى وَطْءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَيَّزَتِ الْأُولَى عَنِ الثَّانِيَةِ فِي التَّحْرِيمِ حَتَّى حَلَّتِ الْأُولَى وَحُرِّمَتِ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ كانتا في وَطْءٍ وَاحِدٍ تَمَيَّزَتِ الْأُولَى عَنِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ وَطْءٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ إِذَا تَكَرَّرَ مُتَسَاوِي الْحُكْمِ بِأَنْ وَطِئَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ وَطِئَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ حُكْمُهُ بِأَنْ وَطِئَ مَرَّةً بِنِكَاحٍ وَمَرَّةً بِشُبْهَةٍ تَمَيَّزَ حُكْمُهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَذَلِكَ الْوَاطِئُ الْوَاحِدُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيلَاجَةَ الثَّانِيَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبُ الْمَهْرِ فَلَا حُكْمَ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ إِيلَاجَةٍ ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَوَى حُكْمُ جَمِيعِهَا كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ اسْتَوَى حُكْمُ جَمِيعِهِ فِي إِيجَابِ مَهْرٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّوْجَيْنِ هَاهُنَا فِي الْإِيلَاجَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَا جَاهِلَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ لِقُصُورِهِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِاسْتِكْمَالِ الْوَطْءِ وَإِتْمَامِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَأَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْوَطْءِ فِي اللُّغَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ أَحْكَامُهُ فِي الشَّرْعِ مُتَعَلِّقَةً بِأَوَّلِهِ، فلهذه الشبهة سقط الحد عنهما ولا تعزيز عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ مَا كَانَ شُبْهَةً فِي الْحَدِّ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً فِي التَّعْزِيرِ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ وَجَبَ بِهِمَا الْمَهْرُ بِمَا ذَكَرْنَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، وَأَنَّ الْإِيلَاجَ الثَّانِيَ وَمَا بَعْدَهُ كَانَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا بِالْإِيلَاجِ الْأَوَّلِ، فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ زِنَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ إِيلَاجٌ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَا مَهْرَ فِيهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ لَهَا لِتَنَافِي مُوجِبِهَمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ، وَلَيْسَ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَحْلِيلُ أَوَّلِهِ شُبْهَةً فِي تَحْرِيمِ آخِرِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهَا الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُمَا وَيُعَزَّرَانِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَالزَّوْجَةُ جَاهِلَةً أَوْ عَالِمَةً لَكِنَّهَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهَا فَهُمَا سَوَاءٌ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَلَهَا الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ، وَهَلْ عَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ لِعِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُحَدُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute