للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ وَالْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ طَلَّقَهَا وَكِيلُ زَوْجِهَا، بِمَشْهَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَمْضَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الْوَكَالَةُ فِي النِّكَاحِ مَعَ تَغْلِيظِ حُكْمِهِ كَانَ جَوَازُهَا فِي الطَّلَاقِ أَوْلَى، فَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا عَاقِلًا جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَجْنُونًا وَلَا صَغِيرًا، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا، وَفِي جَوَازِ تَوْكِيلِهِ لِامْرَأَةٍ وَجْهَانِ مَضَيَا فِي الْخُلْعِ، ثُمَّ الْوَكَالَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِي فُلَانَةَ، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ لِنَفْسِهَا، لِأَنَّ هَذِهِ نِيَابَةٌ وَذَاكَ تَمْلِيكٌ، فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ مِنَ الطَّلَاقِ عَدَدًا لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طالق ونوى أن يكون ثلاثاً فيه وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ تَقُومُ مَقَامَ التَّلَفُّظِ بِالثَّلَاثِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُطَلَّقُ ثَلَاثًا وَلَا تَقُومُ نِيَّتُهُ مَقَامَ نِيَّةِ الزَّوْجِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ مَدِينٌ فِي الطَّلَاقِ مَعْمُولٌ عَلَى نِيَّتِهِ فِيهِ، وَالْوَكِيلُ غَيْرُ مَدِينٍ فِي الطَّلَاقِ فَلَمْ يُعْمَلْ عَلَى نِيَّتِهِ فِيهِ، وَهَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ، كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَفِي وُقُوعِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَقَعُ، لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا وَكَّلَ فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ وُكِّلَ فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَهَذَا الطَّلَاقُ غَيْرُ بَائِنٍ فَصَارَ غَيْرَ مَا وُكِّلَ فِيهِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، لَمْ تَقَعِ الثَّلَاثُ، وَفِي وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ وَجْهَانِ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَيَّتَهُنَّ طَلَّقَهَا صَحَّ، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ جَائِزٌ، فَكَانَ التَّوْكِيلُ فِيهِ جَائِزًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَبْلَ تَعْيِينِهَا لَمْ تُطَلَّقْ، لِأَنَّ إِبْهَامَ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى خِيَارِهِ فِي التَّعْيِينِ، وَمِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى خِيَارِهِ فِي التَّعْيِينِ.

(فَصْلٌ:)

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ مُقَيَّدَةً، وَهُوَ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي طَلَاقِهَا عَلَى صِفَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِلَّا فِيهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تُطَلَّقْ، أَوْ يَأْمُرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا لِلْبِدْعَةِ لَمْ تُطَلَّقْ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>