وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ وَجْهٌ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ جَعَلَ جَمِيعَ أَقَاوِيلِهِمْ حَقًّا، وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَطَأً. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَمِيعِ أَقَاوِيلِهِمْ مُحِقًّا. وَهُوَ أَسْهَلُ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ وَجَمِيعُهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ.
فَهَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عَدَالَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ جَمِيعِهِمْ. وَلَا رَدَّ شَهَادَةَ جَمِيعِهِمْ حَتَّى فَصَّلْنَاهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَذْهَبُهُ وَأَوْجَبَتْهُ أُصُولُهُ. فَأَوْضَحْنَا بِهَا مَنْ كَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ وَمَرْدُودَهَا. وَخَالَفَهُ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ.
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَخَفَّفَ الْأَمْرَ فِيهَا وَأَجَازَ شَهَادَةَ كُلِّ مَنْ أُطْلِقَ اسْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَاعْتَبَرَ الْعَدَالَةَ بِالْأَفْعَالِ دُونَ الِاعْتِقَادِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَشَدَّدَ الْأَمْرَ فِيهَا فَرَدَّ شَهَادَةَ جَمِيعِهِمْ وَاقْتَصَرَ بِالْعَدَالَةِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قَوْلَيْهِمَا مَدْفُوعٌ بِمَا أَوْضَحْنَا مِنْ دَلَائِلِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( [الْقَوْلُ في اللعب بالشطرنج والحمام] )
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ بِغَيْرِ قِمَارٍ وَإِنْ كَرِهْنَا ذلك أخف حالا (قال المزني) رحمه الله فكيف يحد من شرب قليلا من نبيذ شديد ويجيز شَهَادَتَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ.
وَالثَّانِي: فِي اللعب بالحمام.
فأما اللعب الشِّطْرَنْجِ فَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي إِبَاحَتِهَا وَحَظْرِهَا.
وَالثَّانِي: فِي عَدَالَةِ اللَّاعِبِ بِهَا وَجَرْحِهِ.
فَأَمَّا إِبَاحَتُهَا وَحَظْرُهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، أَنَّهَا حَرَامٌ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَغْلِيظٍ يُوجِبُ الْمَنْعَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ التَّحْرِيمِ.