للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيمَا كُرِهَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا اسْتُحِبَّ مِنْهَا، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منها.

[(فصل: في شروط البيع)]

فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِهِ:

فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ مَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ بِهِ الْبَيْعُ. فَقَالَ: وَجِمَاعُ مَا يَجُوزُ مِنْ كُلِّ بَيْعٍ آجِلٍ وَعَاجِلٍ، وَمَا لَزِمَهُ اسْمُ بَيْعٍ بِوَجْهٍ، لَا يُلْزِمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ حَتَّى يَجْتَمِعَا أَنْ يَتَبَايَعَاهُ بِرِضًا مِنْهُمَا بِالتَّبَايُعِ بِهِ وَلَا يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَا عَلَى أَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَأَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ عَلَى التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ هَذَا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ إِلَّا بِخِيَارٍ، أَوْ فِي عَيْبٍ يَجِدُهُ، أَوْ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ، أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ - إِنْ جَازَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ - وَمَتَى لَمْ يَكُنْ هَذَا لَمْ يَقَعِ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ.

وَحَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ: مِثْلَهُ سَوَاءً فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ يُبَيِّنَ شُرُوطَ الْعَقْدِ، وَشُرُوطَ الرَّدِّ.

فَأَمَّا شُرُوطُ الْعَقْدِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا لَازِمًا فَأَرْبَعَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَبَايَعَاهُ بِرِضًا مِنْهُمَا بِالتَّبَايُعِ بِهِ حَتَّى لَا يَكُونَا مُكْرَهَيْنِ وَلَا أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ لَا يَصِحُّ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ وَالشُّرُوطَ الْمُبْطِلَةَ لِلْعُقُودِ، وَمَا وَرَدَ النَّهْيُ فِي تَحْرِيمِهِ مِنَ الْبُيُوعِ كَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَعْقِدَاهُ عَلَى أَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَعْيَانَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ.

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَمَتَى أُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْهَا، فَسَدَ الْعَقْدُ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ عَلَى التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ.

وَهَذَا شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ بَعْدَ وُقُوعِ صِحَّتِهِ.

وَكَانَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَضُمُّونَ إِلَى الْأَرْبَعَةِ شَرْطًا خَامِسًا: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ جَائِزَيِ الْأَمْرِ، فَلَا يَكُونَا، وَلَا أَحَدُهُمَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، أَوْ سَفَهٍ، لِأَنَّ بَيْعَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ. وَامْتَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنْ تَخْرِيجِ هَذَا الشَّرْطِ الْخَامِسِ.

وَأَجَابُوا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي الْبَائِعِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَالشَّافِعِيُّ إِنَّمَا ذَكَرَ شُرُوطَ الْبَيْعِ، وَهَذَا جَوَابُ الْبَغْدَادِيِّينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>