للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَالَكَ وَمَنَعْتُكَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَجْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ بِهِ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْحَاكِمُ: قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْكَ بِالْفَلَسِ. وَقَالُوا لِأَنَّ الْحَجْرَ قَدْ يَتَنَوَّعُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِهِ لِيَمْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ وَقْفَ الْمَالِ وَالْمَنْعَ مِنَ التَّصَرُّفِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الْحَجْرُ فَإِذَا تَلَفَّظَ الْحَاكِمُ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ أَشْهَرَ الْحَاكِمُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ الْإِشْهَادُ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْحَجْرِ فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي ثُبُوتِ الْحَجْرِ، لِأَنَّ نُفُوذَ الْحُكْمِ لَا يَقِفُ عَلَى الْإِشْهَادِ فِيهِ فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَلَمْ يُشْهِدْ صَحَّ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: شَرْطُ ثُبُوتِ الْحَجْرِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الْحَجْرِ الشُّهْرَةُ وَإِظْهَارُ الْأَمْرِ فِيهِ وَلَا يَكُونُ مُشْتَهِرًا إِلَّا بِالشَّهَادَةِ وَجَرَى مَجْرَى اللَّعَّانِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشُّهْرَةُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا وَقَعَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى حَجْرِ السَّفِيهِ أَوْ مَجْرَى حَجْرِ الْمَرَضِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى حَجْرِ السَّفِيهِ. لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ تَبْذِيرِ الْمَالِ لِيَكُونَ مُوَفَّرًا كَالسَّفِيهِ الَّذِي يُقْصَدُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَالَ مِنَ التَّبْذِيرِ لِيَكُونَ مَوْفُورًا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَجْرٌ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ وَحُكْمٍ فَشَابَهَ حَجْرَ السَّفِيهِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ وَحُكْمٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أنَّ هَذَا الْحَجْرَ يَجْرِي مَجْرَى حَجْرِ الْمَرَضِ الْوَاقِعِ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَعُقُودُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ وَتَصَرُّفُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَالِهِ الَّذِي وَقَعَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يَبِيعَ سَلَمًا مَضْمُونًا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يَضْمَنَ ضَمَانًا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، فَكُلُّ هَذَا وَمَا شَاكَلَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ نَافِذٌ مَاضٍ لَا اعْتِرَاضَ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ يَجْرِي مَجْرَى حَجْرِ السَّفَهِ أَوْ مَجْرَى حَجْرِ الْمَرَضِ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ اخْتُصَّ بِمَالِهِ دُونَ ذِمَّتِهِ فَلَوِ ابْتَاعَ فِي حَالِ الْحَجْرِ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَأَرَادَ الْبَائِعُ لَهَا أَنْ يَرْجِعَ بِهَا لِفَلَسِهِ فإن كان البائع عَالِمًا بِفَلَسِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا لِأَنَّ عَقْدَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَقْوَى مِنْهُ بَعْدَهُ فَلَمَّا جَازَ اسْتِرْجَاعُ مَا ابْتَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ اسْتِرْجَاعُ مَا ابْتَاعَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>