للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: لا يلزمه أن يشريثها وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَيَتَوَقَّفَ حَتَّى يَجِدَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَهَا، وَإِنْ بُذِلَ لَهُ الْمَاءُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِ السَّلَامَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْبَدَلِ فِي حُكْمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْقَادِرُ عَلَى ثَمَنِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي الْحَجِّ، وَالْقَادِرُ عَلَى صَدَاقِ الْحُرَّةِ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الْحُرَّةِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْقَادِرُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الْمَاءِ فَلَزِمَهُ شِرَاؤُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَيَمَّمَ.

(فَصْلٌ: هل يلزمه قبوله إذا وهب له؟)

وَأَمَّا إِذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الطَّهَارَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ إِذَا كَانَ عَادِمًا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ كَقَبُولِ الْمَالِ فِي الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي قَبُولِهِ مُكَافَأَةٌ وَالْمَالُ بِخِلَافِهِ لِمُشَاحَّةِ النَّاسِ فِيهِ، وَلُزُومِ الْمُكَافَأَةِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولم يستطعم الطعام.

فإن قيل: وَاسْتَعْمَلَهُ وَصَلَّى فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ، وَإِنْ لَمْ يقبله تيمم وَصَلَّى، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَوْجُودًا فِي يَدِ وَاهِبِه حِينَ وَهَبَهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَالْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمَاءِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لَا يَمْلِكُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَعْدُومًا حِينَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنِ الْمَاءِ فِي حَالِ تَيَمُّمِهِ.

(فَصْلٌ: حُكْمُ إِعَادَةِ مَنْ كان معه ماء فوهبه وتيمم وصلى)

فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَوَهَبَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ وَهَبَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ وَهَبَهُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فَرْضَ الطَّهَارَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَا إعادة عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>