للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ

: وَهُوَ أَنْ لَا يُرِيدَ دُخُولَ مَكَّةَ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلَا حُكْمَ لِاجْتِيَازِهِ بِالْمِيقَاتِ، وَهُوَ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ، لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، فَإِنْ جَاوَزَهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي حَدَثَتْ إِرَادَتُهُ فِيهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ إِلَى مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عَلَيْهِ الْعُودُ إِلَى مِيقَاتِ بَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ، كَمَنْ مَرَّ مُرِيدًا لِمِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْمِيقَاتِ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَنْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا لَمْ يَكُنِ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنِ الْعَوْدُ واجباً عليه.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ، فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ لَا يُجَاوِزُهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ، مَنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَسْكَنُهُ بين الميقات ومكة كأهل جدة ووج وَعُسْفَانَ، وَالطَّائِفِ، فَمِيقَاتُهُ مِنْ بَلَدِهِ وَدُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ الَّذِي وَرَاءَهُ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ، أَهَلَّ مِنْ حَيْثُ يُنْشِئُ " يَعْنِي مِنْ حَيْثُ يَبْتَدِئُ السَّفَرَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: فِي " قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلهِ) {البقرة: ١٩٦) . إِنَّ إِتْمَامَهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ قُدِّرَتْ لِمَنْ كَانَ وَرَاءَهَا، وَلَمْ تُقَدَّرْ لِمَنْ كَانَ دُونَهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَلْزَمُهُمُ الْخُرُوجُ إِلَى الْمِيقَاتِ وَكَذَا مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مَكَّةَ مِنَ الْمِيقَاتِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي قَرْيَةٍ فَهِيَ مِيقَاتُهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أبعد طرفيها إِلَى الْحَرَمِ، وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ من أقرب طرفيها إِلَى الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ مُنْزِلُهُ فِي خِيَامٍ، فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ طَرَفَيِ الْخِيَامِ إِلَى الْحَرَمِ، وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ أَنْ يحرم من أقرب طرفيها إِلَى الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ مُنْفَرِدًا، فَمِنْهُ يُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، فَإِنْ جَاوَزَ هَؤُلَاءِ غَيْرَ مُحْرِمِينَ كَانُوا كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِنْ أَهْلِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَعَلَيْهِمْ دَمٌ إِلَّا أَنْ يَعُودُوا مُحْرِمِينَ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْحَرَمِ، فَهُمْ كَأَهْلِ مَكَّةَ لِمِيقَاتِهِمْ فِي الْحَجِّ مِنْ مَوْضِعِهِمْ، وَفِي الْعُمْرَةِ مِنْ أَقْرَبِ الْحِلِّ إِلَيْهِمْ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَمَامَهُ، وَالْآخَرُ وَرَاءَهُ، كَأَهْلِ الْأَبْوَاءِ وَالْعَرَجِ وَالسُقْيَا، وَالرَّوْحَاءِ وَبَدْرٍ وَالصَّفْرَاءِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَسْكَنَهُمْ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةِ، وَهُمَا مِيقَاتَانِ، فَذُو الْحُلَيْفَةِ ورائهم، وَالْجُحْفَةُ أَمَامَهُمْ، فَيَنْظُرَ فِي حَالِهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي جَادَّةِ الْمَغْرِبِ وَالشَّامِ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>