للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَهِلَ تَعْلِيلَ قَوْلِهِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ الظَّاهِرُ الْمُتَقَدِّمُ لَا النكول الطارئ، وأما غلطه على نفسه فإنه أَوْجَبَ حَبْسَ رَبِّ الْمَالِ بِنُكُولِهِ، وَالنُّكُولُ لَا يُوجِبُ الْحَبْسَ، كَمَا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْحَقِّ فكان ما ارتكبه مساوياً لمثل ما أذكره.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو قال المصدق هي وديعة أو لم يحل عليها الحول صدقة وإن اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ إِلَّا بِأَوْصَافٍ وَرَدَ بِهَا الشَّرْعُ مِنْهَا الْمِلْكُ وَالسَّوْمُ وَالْحَوْلُ، فَإِذَا كَانَ بِيَدِ رَجُلٍ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ فَطَالَبَهُ السَّاعِي بِزَكَاتِهَا، فَذَكَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ له وإنها بيده وَدِيعَةٌ فَيَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ مَالِكِهَا، فَإِنْ أَخْبَرَ بِهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِ السَّاعِي صِدْقُ قَوْلِهِ لَمْ يُحَلِّفْهُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ مُصَدَّقٌ، وَإِنِ اتَّهَمَهُ وَارْتَابَ بِقَوْلِهِ أَحْلَفَهُ اسْتِظْهَارًا وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ أَمِينٌ قَدِ اسْتَنَدَ إِلَى ظَاهِرٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِمَالِكِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ صُدِّقَ لَمْ يُحَلَّفْ وَإِنِ اتُّهِمَ أُحْلِفَ اسْتِظْهَارًا كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِمَالِكِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ضَعِيفٌ، يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِمَالِكِهَا. لِأَنَّ لِلْيَدِ ظَاهِرًا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ اليد تدل على الملك إذا اعتبرت بِدَعْوَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَأَمَّا مَعَ إِنْكَارِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِيَدِهِ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْيَدِ هِيَ ملكي لكن لم يحل عليها الحول، فالقول قوله، وإن صَدَّقَهُ السَّاعِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنِ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ اسْتِظْهَارًا، لِأَنَّهُ فِي إِنْكَارِ الْمِلْكِ وَالْحَوْلِ وَالسَّوْمِ يَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرٍ يُعَاضِدُ قَوْلَهُ مِنْ غير إقرار يقدم بِالْوُجُوبِ، فَلِذَلِكَ كَانَتِ الْيَمِينُ فِيهِ اسْتِظْهَارًا، وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ الْشَاهِدَانِ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْمِائَةَ بعينها من رأس الحول فقال قد ثم بعتها اشتريتها صَدَّقَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ مَعَهُ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ طَالَبَهُ السَّاعِي بِزَكَاتِهَا، فَذَكَرَ أَنَّ حَوْلَهَا لَمْ يَحُلْ فَقَبِلَ السَّاعِي قَوْلَهُ، ثُمَّ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إِلَى آخِرِهِ.

قَالَ الشافعي: لا أقبل شهادتهما حتى يقطعا الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا بِأَنْ يَقُولَا كَانَتْ هَذِهِ الْغَنَمُ وَيُشِيرَا إِلَيْهَا لِهَذَا الرَّجُلِ وَيُشِيرَا إِلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ زَادَا أو تمما الشهادة لو قَالَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ أَحْوَطَ فَإِنْ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَعَلَى السَّاعِي أن يرجع

<<  <  ج: ص:  >  >>