الظِّهَارُ بِالْكِتَابَةِ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الْإِيلَاءُ بِالْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ بِاللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَأَمَّا عَقْدُ الْبَيْعِ وَالْإِجَابَةِ بِالْكِتَابَةِ، فَإِنْ قِيلَ إِن الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهِمَا وَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ فَأَوْلَى أَن لَا يَنْعَقِدَ بِهَا بَيْعٌ وَلَا إِجَارَةٌ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهَا، وَإِنَّهَا كِنَايَةٌ فِيهِ، فَفِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِهِمَا وَجْهَانِ، مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِصَرِيحِ الْعَقْدِ وَكِنَايَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ، إِذَا قِيلَ إِنَّهُ لَا تَصِحُّ بِالْكِنَايَاتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ تَصِحُّ بِالْكِنَايَاتِ.
وَقَدْ حَكَى أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ: أَنَّهُ وَجَدَ نَصًّا عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ إِذَا كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ فِي بَلَدٍ إنِّي قَدْ بِعْتُكَ دَارِي، فِيهِ بِكَذَا صَحَّ الْبَيْعُ، إِذَا قَبِلَهُ الْمُكَاتَبُ إِلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يفارق مجلسه. والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي: (فإذا كَتَبَ إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي فَحَتَّى يَأْتِيَهَا) .
قَالَ الماوردي: وإذا قد مضى الكلام، حُكْمُ الْكِتَابَةِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيهِ، وَفِي كَوْنِهَا كِنَايَةً قَوْلَانِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ كَتَبَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقْتَرِنَ بِكِتَابَتِهِ لَفْظٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا نِيَّةٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تَتَجَرَّدَ عَنْ لَفْظٍ وَنِيَّةٍ، فَإِنْ قَارَنَهَا لَفْظٌ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الْكِتَابَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْكِتَابَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَقَعَ بِهِ، وَإِنْ قَارَنَهَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ، فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا قَوْلَانِ، إِنْ قِيلَ كِنَايَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قِيلَ لَيْسَتْ كِنَايَةً لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ تَجَرَّدَتِ الْكِتَابَةُ عَنْ قَوْلٍ وَنِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ مُجَرِّبًا لِخَطِّهِ، أَوْ مُرْهِبًا لِزَوْجَتِهِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا؛ فَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى زَوْجَتِهِ إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِمَّا مَعَ لَفْظٍ اقْتَرَنَ بِهِ فَكَانَ طَلَاقًا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِمَّا مَعَ نِيَّةٍ اقْتَرَنَتْ بِخَطِّهِ، فَكَانَ طَلَاقًا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَيْهِ تَفَرُّعُ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَهُوَ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، وَهُوَ مَجِيءُ الْكِتَابِ إِلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِئْهَا الْكِتَابُ لَمْ تُطَلَّقْ فَإِنْ تَأَخَّرَ لِهَلَاكِهِ فَقَدْ بَطَلَتْ صِفَةُ طَلَاقِهَا، فَهُوَ غَيْرُ مُنْتَظَرٍ سَوَاءٌ كَانَ هَلَاكُهُ بِسَبَبٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ مَعَ بَقَائِهِ فَالصِّفَةُ بَاقِيَةٌ، وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِهَا مُنْتَظِرٌ لِمَجِيءِ الْكِتَابِ إِلَيْهَا، لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ سَوَاءٌ قَرَأَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْرَأْهُ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَجِيئِهِ لَا بِقِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ كَتَبَ إِذَا جَاءَكِ كِتَابٌ وَقَرَأْتِيهِ لَمْ تُطَلَّقْ لِمَجِيئِهِ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute