للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ أَرَادَ مُشْرِكٌ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ، لِيُسْلِمَ بِهِ مُنِعَ مِنْ دُخُولِهِ، حَتَّى يُسْلِمَ، ثُمَّ يَدْخُلَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَلَوْ صَالَحَ الْإِمَامُ مُشْرِكًا عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ بِمَالٍ بَذَلَهُ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا، وَيُمْنَعُ الْمُشْرِكُ مِنَ الدُّخُولِ، فَإِنْ دَخَلَ إِلَيْهِ أُخْرِجَ مِنْهُ، وَلَزِمَهُ الْمَالُ الَّذِي بَذَلَهُ مَعَ فَسَادِ الصُّلْحِ، لِحُصُولِ مَا أَرَادَ مِنَ الدُّخُولِ، وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ مَا سَمَّاهُ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ فَسَدَ، لِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ لِتَحْرِيمِهِ.

وَحَدُّ الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ دُونَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ بُيُوتِ نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ عَلَى بنية خَلٍّ بِالْمُقَطِّعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعِرَّانَةِ مِنْ شِعْبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ،

وَمِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَةَ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ جَدَّةَ مُنْقَطَعُ الْأَعْشَاشِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْحِجَازُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْطِنَهُ مُشْرِكٌ، مِنْ كِتَابِيٍّ وَلَا وَثَنِيٍّ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ احْتِجَاجًا بِإِقْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُمْ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَاَلَى إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ أَرْضٍ حَلَّ صَيْدُهَا حَلَّ لَهُمُ اسْتِيطَانُهَا كَغَيْرِ الْحِجَازِ.

وَدَلِيلُنَا: مَا رَوَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ آخِرُ مَا عَهِدَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ قَالَ

لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ

وَهَذَا نَصٌّ.

وَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ عَمَلِهِ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ قَوْلِهِ، وَتَشَاغَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَيَّامِهِ مَعَ قِصَرِهَا بِأَهْلِ الرِّدَّةِ، وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَتَطَاوَلَتِ الْأَيَّامُ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَكَامَلَتْ لَهُ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، وَفَتَحَ مَا جَاوَرَهَا - نَفَّذَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِمْ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُ، وَرَأْيُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى إِجْلَائِهِمْ وَكَانَ فِيهِمْ تُجَّارٌ وَأَطِبَّاءُ، وَصُنَّاعٌ، يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ فَضَرَبَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا، وَصَانِعًا مَقَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُنَادَى فِيهِمْ، بَعْدَهَا اخْرُجُوا، وَهُنَا إِجْمَاعٌ بَعْدَ نَصٍّ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُمَا، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ سَاقَاهُمْ عَلَى نَخْلِهَا: " أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُقَامَهُمْ غَيْرُ مُسْتَدَامٍ، وَأَنَّ لِحَظْرِهِ فِيهِمْ حُكْمًا مُسْتَجَدًّا.

وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ

لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَنْفِيَنَّ الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ

فَمَاتَ قَبْلَ نَفْيِهِمْ، وَلِأَنَّ الْحِجَازَ لَمَّا اخْتُصَّ بِحَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَبْعَثِ رِسَالَتِهِ وَمُسْتَقَرِّ دِينِهِ، وَمُهَاجَرَةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَارَ أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَتْ حُرْمَتُهُ أَغْلَظَ، فَجَازَ أَنْ يُصَانَ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَالْحَرَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>