مُكَاتِبٍ بِعَيْنِهِ كَانَ الْوَقْفُ جَائِزًا لِأَنَّ سِهَامَ الزَّكَوَاتِ أَغْلَظُ حُكْمًا، وَفِيهَا سَهْمُ الرِّقَابِ، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مُدَبَّرٍ كَانَ كَالْعَبْدِ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ، وَلَكِنْ لَوْ وَقَفَهَا عَلَى عَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ مَكَاتَبِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ فَهَذَا حُكْمُ الشَّرْطِ الثَّالِثِ.
فَصْلٌ
: وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْوَقْفَ طَاعَةٌ تُنَافِي الْمَعْصِيَةَ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى الزُّنَاةِ أَوِ السُّرَّاقِ أَوْ شُرَّابِ الْخَمْرِ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ فِي هَذِهِ الجهات باطلاً، لأنها معاصي يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَانَ عَلَيْهَا فَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَكَانَ الرَّجُلُ حِينَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ مُرْتَدًّا فَعَلَى الْوَقْفِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ كَمَا لَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَنِ ارْتَدَّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: جَائِزٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى مُرْتَدٍّ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى مَنِ ارْتَدَّ فَلَا يَجُوزُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ، وَقْفٌ عَلَى الرِّدَّةِ، وَالرِّدَّةُ مَعْصِيَةٌ، وَالْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ هُوَ مُرْتَدٌّ لَيْسَ بِوَقْفٍ عَلَى الرِّدَّةِ فَلَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مَعْصِيَةٍ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: فِي الْوَقْفِ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ إِغْرَاءٌ بِالدُّخُولِ فِي الرِّدَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُرْتَدٍّ إِغْرَاءٌ بِالدُّخُولِ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَوِ ارْتَدَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَقْفِ حَقٌّ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي الرِّدَّةِ إِنْ لَوْ صَحَّ الْوَقْفُ.
فَأَمَّا إِذَا وَقَفَهَا عَلَى مُسْلِمٍ وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ وَأَبْطَلَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ أَمْلَاكَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ فَصَارَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُرْتَدِّ يَنْقَسِمُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ:
بَاطِلٌ: وَهُوَ أَنْ يُنْفِقَهُ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ.
وَجَائِزٌ: وَهُوَ أَنْ يُنْفِقَهُ عَلَى مُسْلِمٍ فَيَرْتَدُّ.
وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ: وَهُوَ أَنْ يَقِفَهُ عَلَى رَجُلٍ مُرْتَدٍّ.
فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَجَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ، وَإِنْ مُنِعُوا الْمَفْرُوضَ مِنْهَا، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ غَلَّتِهِ، فَلَوِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصْرِفَ الْوَقْفَ وَالْحَجَّ عَنْهُ، لِأَنَّ الْحَجَّ عَنِ الْمُرْتَدِّ لَا يَصِحُّ وَصُرِفَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أُعِيدَ الْوَقْفُ إِلَى الْحَجِّ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَفَهَا فِي الْجِهَادِ عَنْهُ جَازَ، فَلَوِ ارْتَدَّ الْوَاقِفُ عَنِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى حَالِهِ مَصْرُوفًا فِي الْمُجَاهِدِينَ عَنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْحَجُّ وَيَصِحُّ مِنْهُ الْجِهَادُ، فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْكَنَائِسِ وَالْبَيْعِ فَبَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلَوْ وَقَفَ دَارًا لِيُسْكِنَهَا