وَيَقُولُ الْمُكْتَرِي، بَلِ اكْتَرَيْتُ مِنْكَ جَمِيعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرَ رَمَضَانَ، بِعَشَرَةٍ فَإِنْ عَدِمَا الْبَيِّنَةَ تَحَالَفَا، وَبَدَأَ الْحَاكِمُ بِإِحْلَافِ الْمُكْرِي، كَمَا يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ.
فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَنَكَلَ الْآخَرُ قَضَى لِلْحَالِفِ مِنْهُمَا عَلَى النَّاكِلِ.
وَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَقَدْ تَسَاوَيَا، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ كَمَا يَرْتَفِعُ نِكَاحُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، حَتَّى يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِبْطَالِهِ، لِأَنَّ التَّحَالُفَ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ دُونَ إِبْطَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِالْحُكْمِ لِأَجْلِ التَّعَارُضِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِإِبْطَالِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِمْضَاءَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
فَيَقُولُ لِلْمُكْتَرِي: قَدْ حَلَفَ الْمُكْرِي عَلَى مَا ادَّعَى، فَتُمْضِيهِ؟
فَإِذَا قَالَ: لَا.؟ قَالَ لِلْمُكْرِي قَدْ حَلَفَ الْمُكْتَرِي عَلَى مَا ادَّعَى فَتُمْضِيهِ؟
فَإِذَا قَالَ: لَا، حُكِمَ بِالْفَسْخِ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَمْضَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا امْتَنَعَا مِنَ الْإِمْضَاءِ، وَحُكِمَ بَيْنَهُمَا بِالْفَسْخِ فَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَمَا لَوْ فَسَخَهُ بِتَحَالُفِهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْفَسِخُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الشَّيْءَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ.
وَيُنْظَرُ فِي التَّحَالُفِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنَ الْمُدَّةِ اسْتَرْجَعَ الْمُكْتَرِي أُجْرَتَهُ، وَاسْتَرْجَعَ الْمُكْرِي دَارَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَ الْمُكْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِ سُكْنَاهُ، لِاسْتِهْلَاكِهِ لِمَنْفَعَتِهَا عَنْ عَقْدٍ قَدْ حُكِمَ بِفَسَادِهِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِنْ كَانَ لَهُمَا عِنْدَ التَّحَالُفِ بَيِّنَةٌ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَن تُحْضَرَ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ التَّحَالُفِ، فَتُسْمَعُ وَيُمْنَعُ حُضُورُهَا مِنَ التَّحَالُفِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنَ الْيَمِينِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَن تُحْضَرَ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَيَكُونُ سَمَاعُهَا مَحْمُولًا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ التَّحَالُفُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ قَدِ انْفَسَخَ بِهِ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ.