الْوَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْبَيْعِ إِذَا عُقِدَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى شُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْرَطَ فِيهِ خِيَارُ الثَّلَاثِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْإِجَارَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْثِقَ فِيهِ بِالشَّهَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْثِقَ فِيهِ بِالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ.
ثُمَّ يُؤْخَذُ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي النَّخْلِ حَتَّى أَثْمَرَتْ كَانَ لَهُ نَصِيبُهُ مِنَ الثَّمَرَةِ إِنْ قِيلَ إِنَّهُ شَرِيكٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا إِنْ قِيلَ إِنَّهُ أَجِيرٌ، وَلِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَأْخُذَ الْعَامِلَ جَبْرًا بِالْعَمَلِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ.
فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا مُدَّةَ مَسَاقَاتِهِ جَازَ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ فَمَا دُونُ كَالْإِجَارَةِ وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ حَيْثُ كَانَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ عَلَيْهَا وَبَيْنَ الْمُضَارَبَةِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُضَارِبَ بِهَا.
أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ليس بلازم فلم يملك إلا فتيات عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَتَصَرُّفَ الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ فَمَلَكَ الاستنابة في تصرفه.
[مسألة]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ بِمَا وَصَفْتُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ دُونَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَذَ صَدَقَةَ ثَمَرَتِهِمَا بِالْخَرْصِ وَثَمَرُهُمَا مجتمعٌ بائنُ مِنْ شجرةٍ لَا حَائِلَ دُونَهُ يَمْنَعُ إِحَاطَةَ النَّاظِرِ إِلَيْهِ وَثَمَرُ غَيْرِهِمَا مُتَفَرِّقٌ بَيْنَ أَضْعَافِ ورقٍ لَا يُحَاطُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إِلَّا عَلَى النَّخْلِ وَالْكَرْمِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الشَّجَرِ مِنَ النَّبَاتِ مُثْمِرًا عَلَى ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ النَّخْلُ وَالْكَرْمُ. وَقَالَ دَاوُدُ الْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ فِي النَّخْلِ دُونَ الْكَرْمِ.
وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ بَعْلًا مِنَ النَّخْلِ، وَمَنَعَ مِنْهَا فِي الْبَعْلِ مِنَ النَّخْلِ وَفِي الْكَرْمِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْكَرْمِ هَلِ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ قَالَ بِهِ نَصًّا وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَاقَى فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ.
وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ قِيَاسًا عَلَى النَّخْلِ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا، أَحَدُهُمَا اشْتِرَاكُهُمَا فِي وُجُوبِ الزكوة فِيهِمَا، وَالثَّانِي بُرُوزُ ثَمَرِهِمَا، وَإِمْكَانُ خَرْصِهِمَا.
فَصْلٌ
: وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بُطْلَانِ الْمُسَاقَاةِ فِيهِ وَهُوَ الْمَقَاثِي وَالْبَطَاطِخُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْعَلَفُ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِحُدُوثِ ثَمَرِهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ شَجَرًا ثَابِتًا فَهُوَ بِالزَّرْعِ أَشْبَهُ، وَالْمُخَابَرَةُ عَلَى الزَّرْعِ باطلة