الْخِيَارُ مَعَ الصِّغَرِ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي الْعُقُودِ مِنَ الْحُقُوقِ اسْتَوَى اسْتِحْقَاقُهُ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ كَالشُّفْعَةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ أَنْ تَخْتَارَ الْفَسْخَ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَخْيِيرٌ يُسْتَحَقُّ فِي الصِّغَرِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفُوتَ بانتظار البلوغ فخالف خيار الْعِتْقِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ تَخْيِيرٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ حُكْمٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَيْسَ لِقَوْلِهِ حكم، وإذا كان هكذا فليس لِوَلِيِّهَا مِنْ أَبٍ وَلَا مُعْتِقٍ أَنْ يَخْتَارَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ الَّتِي يَكُونُ لِلْوَلِيِّ أَخْذُهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ فِي هَذَا الْخِيَارِ اسْتِهْلَاكًا لَيْسَ فِي الشُّفْعَةِ فَجَرَى مَجْرَى اسْتِحْقَاقِ الْقَوَدِ الَّذِي لَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ خِيَارٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الِاسْتِهْلَاكِ.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا وَلَا لِوَلِيِّهَا حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بلغت كان البلوغ أَوَّلِ زَمَانِ الْخِيَارِ فَيَكُونُ فِيهِ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْحَالِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ مُمْتَدٌّ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ تَرْضَ أَوْ تُمَكِّنْ، فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَطَأَهَا مَا بين عتقها وبلوغها فالصحيح أنه تمكن منه، ولا يُمْنَعُ مِنْ إِصَابَتِهَا، لأن اسْتِحْقَاقَهَا لِلْفَسْخِ مُغَيِّرٌ لِحُكْمِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ مُخَرَّجٌ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي رَوَاهُ الرَّبِيعُ إِنَّ طَلَاقَ الزَّوْجِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَبَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لَا يقع.
[مسألة]
قال الشافعي: " ولا خيار لأمةٍ حَتَّى تَكْمُلَ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا قَبْلَ استكمال الحرية، فإذا أعتق بَعْضُهَا وَرَقَّ بَاقِيهَا، فَإِنْ قَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ دُبِّرَتْ أَوْ كُوتِبَتْ وَفِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ أَنْ يُعْتَقَ جَمِيعُهَا، وَقَدْ أُعْتِقَ مِنَ الزَّوْجِ بَعْضُهُ وَإِنْ كَثُرَ وَرَقَّ بَاقِيهِ، وَإِنْ قَلَّ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَكْمُلْ حُرِّيَّتُهُ.
فَصْلٌ
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إِذَا زَوَّجَهَا سَيِّدَهَا بِعَبْدٍ عَلَى صَدَاقِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ وَقِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَلَّفَ مَعَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَدْخُلِ الزَّوْجُ بِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا الْفَسْخُ مُفْضٍ إِلَى إِبْطَالِ الْعِتْقِ وَالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا فَسَخَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ صَدَاقُهَا فَصَارَتِ التَّرِكَةُ مِائَتَا درهم قيمتها نِصْفُهَا فَيُعْتَقُ ثُلْثَاهَا وَيَرِقُّ ثُلُثُهَا، وَإِذَا رَقَّ ثُلْثُهَا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ مَا أَدَّى ثُبُوتُهُ إلى