للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فمن جاءه موعظة من ربه} يعني القرآن {فانتهى} {فله ما سلف} يَعْنِي مَا أَكَلَ مِنَ الرِّبَا. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] يَعْنِي مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنَ الرِّبَا إِذَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ تَرَكُوهُ، وَمَا قَبَضُوهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ. ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ لِتَوْكِيدِ الزَّجْرِ فَقَالَ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} يَعْنِي مَا دَفَعْتُمُوهُ {لا تَظلمون وَلا تُظلمون} [البقرة: ٢٧٩] ، بأن تمنعوا {رؤوس أَمْوَالِكُمْ} ثُمَّ قَالَ تَيْسِيرًا عَلَى خَلْقِهِ: {وَإِنْ كان} - من قد أربيتموه - (ذو عسرة} بِرَأْسِ الْمَالِ {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] يَعْنِي إِلَى وَقْتِ الْيَسَارِ. وَهَذِهِ آخرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةُ الرِّبَا فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آكِلَ الرِّبَا وَمُؤكلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ لَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ لَا تَظلمون وَلَا تُظلمون. فَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا عَمِّي الْعَبَّاسِ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ مِنْ دَمِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

ثُمَّ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي فُرُوعِهِ وَكَيْفِيَّةِ تَحْرِيمِهِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَحَلَّ الزِّنَا وَلَا الرِّبَا فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] يَعْنِي: فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ الرِّبَا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مجمل فسرته السنة. وإن ما جاءت بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ مُجْمَلُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الرِّبَا نَقْدًا أَوْ نَسَاءً.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَعْهُودَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الرِّبَا فِي النَّسَاءِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ ثُمَّ وَرَدَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِزِيَادَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ فَاقْتَرَنَتْ بِمَا تَضَمَّنَهُ التَّنْزِيلُ، وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَبُو حَامِدٍ المروزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>