للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّغْلِيظِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ: وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي إِجْزَاءِ الْيَمِينِ أَمْ لَا؟

أَحَدُهُمَا: يُعْفَى مِنَ التغليظ بالمكان والزمان، لأن لا يُحْمَلَ عَلَى الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَجْعَلُ الْيَمِينَ بِتَرْكِ التَّغْلِيظِ مُجْزِئَةً.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُعْفَى، وَيُؤْخَذُ بِالتَّغْلِيظِ، وَإِنْ أَفْضَى إِلَى حِنْثِهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَجْعَلُ الْيَمِينَ بِتَرْكِ التَّغْلِيظِ غَيْرَ مُجْزِئَةٍ.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَحْرَارُهُمْ وَعَبِيدُهُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ يحلفون كَمَا وَصَفْنَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا وَجَبَتِ الْيَمِينُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا حُرًّا تَغَلَّظَتْ عَلَى مَا وَصَفْنَا بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَمَا عَدَاهُمَا، فَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، إِلَى مَكَانِ التَّغْلِيظِ إِلَّا بِأُجْرَةِ مَرْكُوبٍ، كَانَ أُجْرَةُ مَرْكُوبِهِ إِلَى مَكَانِ التَّغْلِيظِ مُسْتَحَقَّةً عَلَى الْمُسْتَحْلَفِ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ عَلَى الْحَالِفِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلْمُسْتَحْلِفِ وَكَانَتْ أُجْرَةُ عَوْدِهِ عَلَى الْحَالِفِ، لِأَنَّهُ يَعُودُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ امْرَأَةً لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ بَرْزَةً، أَوْ خَفِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً غُلِّظَتْ يَمِينُهَا بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَالرَّجُلِ، لَكِنْ تُخَالِفُهُ فِي أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا تَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، لَا عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهَا تَحْلِفُ جَالِسَةً، لَا قَائِمَةً، سَتْرًا لَهَا، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ.

وَإِنْ كَانَتْ خَفِرَةً لَا تَبْرُزُ، اسْتَخْلَفَ الْحَاكِمُ مَنْ يُحْلِفُهَا فِي مَنْزِلِهَا، وَسَقَطَ تَغْلِيظُ يَمِينِهَا بِالْمَكَانِ، لِحِفْظِ صِيَانَتِهَا بِإِقْرَارِهَا فِي مَنْزِلِهَا، وَغُلِّظَتْ يَمِينُهَا بِالزَّمَانِ كَغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَبْدًا غُلِّظَتْ يَمِينُهُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَالْحُرِّ، فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى حِفْظِ مَالٍ لِسَيِّدِهِ يَخَافُ إِنْ فَارَقَهُ إِلَى مَكَانِ التَّغْلِيظِ أَنْ يُتَخَطَّفَ نُظِرَ:

فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ حَاضِرًا تَوَلَّى حِفْظَ مَالِهِ، وَحُمِلَ الْعَبْدُ إِلَى مَكَانِ التَّغْلِيظِ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ غَائِبًا أُقِرَّ الْعَبْدُ عَلَى حِفْظِهِ، وَقِيلَ لِلْمُسْتَحْلِفِ: أَنْتَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ تُنْظِرَهُ بِالْيَمِينِ إِلَى وَقْتِ إِمْكَانِهِ مِنْ حُضُورِ الْمَكَانِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَيَدْخُلُ عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ تُعَجِّلَ إِحْلَافَهُ فِي مَكَانِهِ.

(فَصْلٌ)

: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلَ مُسْتَحْلَفٌ مِنْ بَلَدِهِ، لِتَغْلِيظِ يَمِينِهِ بِمَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ نَقَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَيْسَ بْنَ الْمَكْشُوحِ فِي وِثَاقٍ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى أَحْلَفَهُ بِهَا، وَنَقَلَ عُمَرُ أَهْلَ الْقَسَامَةِ مِنْ مَسَافَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إِلَى مَكَّةَ حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>