وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُهُ طَالِبِينَ وَأَضْدَادُهُ مُنْهَزِمِينَ فَيَكُونُ لَوْثًا مَعَ أَصْحَابِهِ دُونَ أَضْدَادِهِ لما ذكرناه.
القسم الثَّالِثُ: أَنْ يَتَمَاثَلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَخْلُدُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْهَرَبِ فَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَكُونُ لَوْثًا مَعَ أَضْدَادِهِ دُونَ أَصْحَابِهِ - لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْعَدَاوَةِ الْعَامَّةِ.
وَالْوَجْهِ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَضْدَادِهِ لِاحْتِمَالِ الخطأ أو عداوة خاصة.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " أَوِ ازْدِحَامَ جَمَاعَةٍ فَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا وَقَتِيلٌ بينهم أو في ناحية ليس إِلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ إِلَّا رَجُلٌ واحد مخضب بدمه في مقامه ذلك) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا نَوْعٌ خَامِسٌّ مِنَ اللَّوْثِ فِي ازْدِحَامِ جَمَاعَةٍ عَلَى بِئْرِ مَاءٍ. أَوْ فِي دُخُولِ بَابٍ، أَوْ لِالْتِقَاطٍ فَيَتَفَرَّقُونَ عَنْ قَتِيلٍ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ لَوْثًا فِي الْجَمَاعَةِ. لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِأَنَّ قَتْلَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمْ، سَوَاءٌ اتَّفَقُوا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، أَوِ اخْتَلَفُوا. وَهَكَذَا لَوْ ضَغَطَهُمُ الْخَوْفُ إِلَى حَائِطٍ ثُمَّ فَارَقُوهُ عَنْ قَتِيلٍ مِنْهُمْ كَانَ لَوْثًا مَعَهُمْ، فَأَمَّا إِذَا هَرَبُوا مِنْ نَارٍ أَوْ سَبُعٍ فَوُجِدَ أَحَدُهُمْ صَرِيعًا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ طَرِيقُ هَرَبِهِمْ وَاسِعًا فَظَاهِرُ صَرْعَتِهِ أَنَّهَا مِنْ عَثْرَتِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَوْثًا.
وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، فَظَاهِرُ الصَّرْعَةِ أَنَّهَا مِنْ صَدْمَتِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لوثاً.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " أَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِيهَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَمْ يَعْدِلُوا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا نَوْعٌ سَادِسٌ مِنَ اللَّوْثِ وَهُوَ لَوْثٌ بِالْقَوْلِ، وَمَا تَقَدَّمَ لَوْثٌ بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ: أن تأتي جماعة متفرقون من نواحي مُخْتَلِفَةٍ. يَزِيدُونَ عَلَى عَدَدِ التَّوَاطُؤِ وَلَا يَبْلُغُونَ حَدَّ الِاسْتِفَاضَةِ وَتَقْتَصِرُ أَوْصَافُهُمْ عَنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ، فَيَشْهَدُونَ أَوْ يُخَيَّرُونَ وَلَا يَسْمَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فَلَانًا وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَوْضِعِ الْقَتْلِ وَلَا فِي صِفَتِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تُقْبَلُ أَخْبَارُهُمْ فِي الدِّينِ كَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ. فَهَذَا يَكُونُ لَوْثًا لِوُقُوعِ صِدْقِهِمْ فِي النَّفْسِ وَالْعَمَلِ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الشَّرْعِ.