للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُورَةِ ص وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ لَا عَزِيمَةٍ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عيينة عن عبدة عن ذر عن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَجَدَ فِي سُورَةِ ص، وَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُدُ لِلتَّوْبَةِ، وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قبل تَوْبَةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَيْسَتْ مِنَ الْعَزَائِمِ

وَالْفَصْلُ الثَّانِي: فِي إِسْقَاطِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْحَجِّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ سُجُودَ الْعَزَائِمِ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الذَّمِّ، وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْحَجِّ وَرَدَتْ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَخَالَفَتْ سُجُودَ الْعَزَائِمِ وَشَابَهَتْ قَوْله تَعَالَى: {فَاسْجُدُوا} [النجم: ٤٢] {وَكُنْ مِنَ الساجدين} وقوله تعالى: {ومن الليل فاسجد له} [الإنسان: ٢٦] {وسجد لَيْلا طَوِيلا} [الإنسان: ٢٦] ، فَلَمَّا وَرَدَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ سَقَطَ السُّجُودُ لَهُ كَذَلِكَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْحَجِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي سُجُودِ الْعَزَائِمِ رِوَايَةُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ قَالَ: " نَعَمْ مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لَمْ يَقْرَأْهُمَا "، وَلِأَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ أَوْكَدُ مِنَ الْأُولَى لِوُرُودِهَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَوُرُودِ الْأُولَى بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ فَكَانَ السُّجُودُ لَهَا أَوْلَى، فَأَمَّا اعْتِبَارُ أبي حنيفة فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: ٦٢] أَمْرٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ سُجُودِ الْعَزَائِمِ، وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ الْإِخْبَارِ فِيمَا لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: ٧٣] فَعُلِمَ فَسَادُ اعْتِبَارِهِ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُجُودِ الْعَزَائِمِ فَمِنَ السُّنَّةِ لِمَنْ قَرَأَهَا أَوْ سَمِعَهَا مِنْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ لَهَا مُسْتَمِعًا كَانَ أَوْ قَارِئًا لَمْ تَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ، أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ سَجَدَ لَهَا بَعْدَ تِلَاوَتِهَا ثُمَّ هَلْ يُكَبِّرُ لِسُجُودِهِ وَرَفْعِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَسْجُدُ مُكَبِّرًا، وَيَرْفَعُ مُكَبِّرًا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَسْجُدُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ، وَيَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ عَلَى طَهَارَةٍ، وَكَبَّرَ وَسَجَدَ، وَسَبَّحَ فِي سُجُودِهِ كَتَسْبِيحِهِ فِي صَلَاتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ دَاوُدَ "، ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا بِلَا تَشَهُّدٍ، وَلَا سَلَامٍ نَصَّ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>