رَهَنَهَا عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى ثَمَنِهَا، كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا وَالْبَيْعُ بَاطِلًا، أَمَّا بُطْلَانُ الرَّهْنِ فَلِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ رَهَنَهُ قَبْلَ مِلْكِهِ وَأَمَّا بُطْلَانُ الْبَيْعِ فَلِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ شَرَطَ مَنْفَعَةَ مَا بَاعَهُ.
(فَصْلٌ)
فَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِغَيْرِ شَرْطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْتَرِيَ رهنها قبل قبضها. عند بايعها أو غير بايعها، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْهَنَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِسَلَامَتِهِ مِنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهُ وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ رَهَنَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ غَيْرُ مُسْتَقِرِّ الْمِلْكِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَرْهَنَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضِ الثَّمَنَ فَرَهْنُهُ غَيْرُ جَائِزٍ سَوَاءٌ رهنه عند البائع أو عند غَيْرِهِ، لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ فَلَا مَعْنَى لِارْتِهَانِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، وَلَا عِنْدَ غَيْرِ بَائِعِهِ لِحَقِّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَفِي جَوَازِ رَهْنِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يجوز رهنه عند بائعه وغير بائعه، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ جَوَّزَ إِجَارَةَ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ لَا مِنْ بَائِعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ مَنَعَ مِنْ إِجَارَةِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ رَهْنَهُ جَائِزٌ عِنْدَ غَيْرِ بَائِعِهِ وَرَهْنَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّ رَهْنَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ يُوجِبُ اسْتِدَامَةَ ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ الْمُنَافِي لِلرَّهْنِ، وَرَهْنَهُ عِنْدَ غَيْرِ بَائِعِهِ يَنْفِي هَذَا الضَّمَانَ، والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أُرْهِنُكَ عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي فِي الْأَجَلِ فَفَعَلَا فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَيَرُدُّ مَا زَادَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
إِذَا كَانَ الْحَقُّ حَالًّا فَقَالَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ: أُعْطِيكَ بِحَقِّكَ رَهْنًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ الْحَقَّ مُؤَجَّلًا، أَوْ كَانَ الْحَقُّ إِلَى سَنَةٍ فَقَالَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ: أُعْطِيكَ بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَهُ مُؤَجَّلًا إِلَى سَنَتَيْنِ فَفَعَلَا ذَلِكَ وَأَجَّلَا الْحَقَّ وَوَثَّقَاهُ بِالرَّهْنِ، فَالشَّرْطُ فِي الْأَجَلِ بَاطِلٌ، وَالرَّهْنُ فَاسِدٌ.
أَمَّا بُطْلَانُ الشَّرْطِ فِي الأجل فلمعنيين: