(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ وَتَعْلِيلُ كُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا، فَإِنْ وَجَبَ بِهَا عَلَى الثَّانِي جَمِيعُ الْقِيمَةِ عَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِهَا صَارَ الْجُرْحُ الثَّانِي كَالتَّوْجِيَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ، فَيَلْزَمُ الثَّانِي جَمِيعُ قِيمَةِ الصَّيْدِ مَجْرُوحًا، وَزَعَمَ الْمُزَنِيُّ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ في الثاني أن يكون موحياً؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فِي الثَّانِي أَنْ يكون موجياً؛ لأنه أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِطْلَاقِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ محمولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَكُونُ إِطْلَاقُهَا عِنْدَ وُجُوبِ الْكُلِّ مَحْمُولًا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ وُجُوبِ الْقِسْطِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ عَلَى الثَّانِي قِسْطُهُ مِنَ الْقِيمَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا حينئذٍ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْمُوجِبِ لِتَقْسِيطِ الْقِيمَةِ وَالْعَمَلِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ يَتَّضِحُ بَيَانُهَا إِذَا ذُكِرَتْ قِيمَةُ الصَّيْدِ وَأَرْشُ الْجُرْحِ، فَتَصَوَّرَهَا فِي صَيْدِ مملوكٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جَرَحَهُ الْأَوَّلُ جُرْحًا نقص من قيمته درهماً، وجرح الثاني نقص مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمًا، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِرَاحَتَيْنِ، فَأَحَدُ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ مِنْ طَرِيقِ الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ إِنَّكَ تُوجِبُ عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنَ الْجَارِحَيْنِ أَرْشَ جِرَاحَةٍ، ثُمَّ تُقَسِّمُ قِيمَةَ الصَّيْدِ بَعْدَ الْجِرَاحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَجْمَعُ عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ جِرَاحَتِهِ، فَتَجْعَلُ عَلَى الْأَوَّلِ دِرْهَمًا هُوَ أَرْشُ جِرَاحَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي دِرْهَمًا هُوَ أَرْشُ جِرَاحَةٍ وَقِيمَةُ الصَّيْدِ بَيْنَ الْجِرَاحَتَيْنِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحَدٍ مِنَ الْجَارِحَيْنِ نَصِفُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَتُضَمُّ إِلَى الدِّرْهَمِ الَّذِي لَزِمَهُ بِأَرْشِ الْجِرَاحَةِ، فَيَصِيرُ عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ كَانَتْ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ أَرْشُهَا دِرْهَمًا، وَجِرَاحَةُ الثَّانِي أَرْشُهَا دِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ دِرْهَمًا، وَهُوَ أَرْشُ جِرَاحَتَيْنِ، وَأَوْجَبَ عَلَى الثَّانِي دِرْهَمَيْنِ. هُمَا أرش جرحته، ثُمَّ مَاتَ الصَّيْدُ بَعْدَ الْجِرَاحَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ سَبْعَةُ دراهم، فيكون على كل واحدٍ منها نَصِفُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَنَصِفٌ، فَيَصِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ مَعَ الدِّرْهَمِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَعَ الدِّرْهَمَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ، وَلَوْ كَانَتْ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ أَرْشُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَجِرَاحَةُ الثَّانِي أَرْشُهَا دِرْهَمَانِ أَوْجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ هِيَ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَى الثَّانِي دِرْهَمَيْنِ هُمَا أَرْشُ جِرَاحَتِهِ، وَمَاتَ الصَّيْدُ بَعْدَ الْجِرَاحَتَيْنِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا، يَضُمُّ إِلَى مَا عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الثَّانِي أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِيمَا زَادَ ونقص، وهي إن صحت في العمل فهو تفسد على أصول الشافعي في وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْجِرَاحَةَ إِذَا سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَرْشُهَا، وَإِذَا لَمْ تَسْرِ إِلَى النَّفْسِ اعْتُبِرَ أَرْشُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ، فَمَاتَ مِنَ السِّرَايَةِ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَدَخَلَ أَرْشُ الْقَطْعِ فِي قِيمَةِ النَّفْسِ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ مِنَ الْقَطْعِ حَتَّى قَتَلَهُ آخَرُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute