دون المتقص لَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْمُقْتَصِّ لَهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي الكلام معه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " (قال) وَلَوْ أُذِنَ لِرَجُلٍ فَتَنَحَّى بِهِ فَعَفَاهُ الْوَلِيُّ فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا عَلِمَهُ عَفَا وَلَا عَلَى الْعَافِي وَالثَّانِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ قَوَدٌ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْوَلِيِّ لأنه متطوع وهذا أشبههما (قال المزني) رحمه الله فَالْأَشْبَهُ أَوْلَى بِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التَّوْكِيلُ فِي الْقِصَاصِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَوْكِيلٌ فِي إِثْبَاتِهِ.
وَالثَّانِي: تَوْكِيلٌ فِي اسْتِيفَائِهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا كِلَا الضَّرْبَيْنِ فِي كِتَابِ " الْوَكَالَةِ "، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَيْهِمَا، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّوْكِيلُ فِي إِثْبَاتِ الْقِصَاصِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَدٌّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا اخْتَصَّتْ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْفَاعِلِ فَلَمْ يَتَعَدَّ إِلَى التَّوْكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْإِثْبَاتِ مُخْتَصٌّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ، وَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمُوَكِّلُ وَتَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ.
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِي إِثْبَاتِ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إِلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ جَوَّزَ لَهُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ وَحْدَهُ بَعْدَ إِثْبَاتِهِ، لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْإِثْبَاتِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْبَيْعِ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُوَكِّلِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ التَّوْكِيلُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّاهُ وَلِأَنَّ إِثْبَاتَ الْقِصَاصِ يَقِفُ مُوجِبُهُ عَلَى خِيَارِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ لِلْقِصَاصِ إِتْلَافَ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ وَخَالَفَ قَبْضُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ مِنْ وجهين.
أحدها: أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْبَيْعِ قَبْضُ الثَّمَنِ، وَالْمَقْصُودَ فِي الْقِصَاصِ مُخْتَلِفٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ رَدَّ الثَّمَنِ مُسْتَدْرَكٌ، وَرَدَّ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُسْتَدْرَكٍ، فَعَلَى هَذَا لَوِ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إِلَى الدِّيَةِ لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute