وقال أبو حامد الإسفرايني: إِنْ كَانَ عَلَى إِقْرَارٍ لَمْ يَذْكُرْ مَجْلِسَ حُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيِّنَةٍ ذَكَرَ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ حُكْمٌ، وَلَيْسَ فِي الْإِقْرَارِ حُكْمٌ.
وَلَيْسَ لِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا يَسْمَعُهَا الْقَاضِي إِلَّا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ إِلْزَامٌ، وَالْإِلْزَامُ حُكْمٌ.
ثُمَّ يَذْكُرُ اسْمَ الْمُدَّعِي. وَاسْمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، مِنْ قَدْرِ الدَّعْوَى، وَمَا تَعَقَّبَهَا مِنْ إِقْرَارٍ، أَوْ إِنْكَارٍ، وَيَمِينٍ، أَوْ نُكُولٍ، أَوْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ.
وَيُعْلَمُ الْقَاضِي فِيهِ بِعَلَامَتِهِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا.
وَإِنْ أَشْهَدَ فِيهِ كَانَ أَوْكَدَ وَأَحْوَطَ، وَيُسَلِّمُهَا إِلَى الْمُحْتَجِّ بِهَا، وَيَجْعَلُ مِثْلَهَا فِي دِيوَانِهِ.
وَأَمَّا السِّجِلُّ فَيَبْدَأُهُ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا ابْتَدَأَ الْمَحْضَرَ بِالْحُضُورِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ السِّجِلِّ: هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَان عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَذْكُرُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، فَإِنْ كَانَ إِسْجَالًا بِمَحْضَرٍ كَتَبَ نُسْخَتَهُ، وَإِنْ كَانَ إِسْجَالًا بِمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابٌ، مِنْ ثُبُوتِ مِلْكٍ فِيهِ، كَتَبَ نُسْخَتَهُ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ إِنْفَاذَ حُكْمِهِ بِهِ، وَاسْتَوْفَاهُ عَلَى شُرُوطِهِ، وَأَشْهَدَ بِمَا فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلِلْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ كُتُبٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا الْمَوْضُوعِ لِفِقْهِ الْأَحْكَامِ دُونَ مُوَاضَعَاتِ الشُّرُوطِ، وَرُبَّمَا أَفْرَدْنَا لِذَلِكَ كِتَابًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ.
وَلَا بُدَّ لِلْإِسْجَالِ مِنْ شَهَادَةٍ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِمَا فِيهِ. وَقَدْ يَكُونُ الْمَحْضَرُ فِي الْأَغْلَبِ بِغَيْرِ شهادة.
[(فصل: القول في حفظ الحجج والوثائق) .]
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ حِفْظُ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنَ الْحُجَجِ وَالْوَثَائِقِ مِنَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ، فَيُكْتَبُ عَلَى ظَهْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُ صَاحِبِهِ، وَتَارِيخُ تَنْفِيذِهِ، وَيَخْتِمُهُ بِخَاتَمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتِمِ النُّسْخَةَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهَا لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَرْضِهَا وَإِظْهَارِهَا.
وَيَجْمَعُ وَثَائِقَ كُلِّ يَوْمٍ، إِمَّا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَشْهَدِهِ، وَلَا يَكِلُهُ إِلَى مَنْ يَتَوَلَّاهُ بِغَيْرِ مُعَايَنَتِهِ، لِأَنَّهَا أَمَانَاتُ أَرْبَابِهَا فِي يَدِهِ، لِيَسْلَمَ مِنِ اغْتِيَالٍ، أَوِ احْتِيَالٍ، وَيَضَعُهَا فِي قِمَطْرٍ، أَوْ سَفَطٍ، يَخْتِمُهُ بِخَاتَمِهِ.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُجَجُ كُلِّ شَهْرٍ ضَمَّهَا، وَكَتَبَ عَلَى مَجْمُوعِهَا: اسْمَ الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ. وَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ.