[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ إِذَا كَانَ قد أثغر ".
قال الماوردي: في كل سن من أسنان المثغور خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ إِلَى الْيَمَنِ: " وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ " وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " وَفِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ " فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا النَّصُّ فِي وُجُوبِ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ فِي كُلِّ سِنٍّ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَسْنَانِ الْمَثْغُورِ الَّتِي لَا تَعُودُ فِي الْأَغْلَبِ بعد القلع، وسوءا كَانَتْ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، طِوَالًا أَوْ قِصَارًا، كَمَا تُسَاوَى دِيَاتُ الْأَطْرَافِ مَعَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَالطُّولِ وَالْقَصْرِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَيْضَاءَ مِلَاحًا أَوْ سَوْدَاءَ قِبَاحًا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ طَارِئًا عَلَيْهَا، بَاقِيَةَ الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْقَلْعَ قَدْ أَبْطَلَ مَنَافِعَهَا وَكَانَتْ كَامِلَةً وَازْدَادَ مَحَلُّهَا بِالْقَلْعِ قُبْحًا فَصَارَ مُذْهِبًا لِنَفْعِهَا وَجَمَالِهَا، فَلِذَلِكَ كَمَّلَ دِيَتَهَا، فَإِنْ قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا مَعَ سِنْخِهَا الدَّاخِلِ فِي لَحْمِ اللِّثَةِ الْمُمْسِكِ لَهَا بِمَرَابِطِ الْعَصَبِ فَفِيهَا دِيَتُهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي قَلْعِهَا مَعَ سِنْخِهَا الْمَغِيبِ حُكُومَةٌ زَائِدَةٌ، لِأَنَّ السِّنْخَ تَابِعٌ لِمَا ظَهَرَ كَتَبَعِ الْكَفِّ لِلْأَصَابِعِ، وَإِنْ قَلَعَ مَا ظَهَرَ مِنَ السِّنِّ وَخَرَجَ عَنْ لَحْمِ اللِّثَةِ وَبَقِيَ السِّنْخُ الْمَغِيبُ جَرَى مَجْرَى قَطْعِ الْأَصَابِعِ مِنَ الْكَفِّ، فَإِنْ عَادَ أَوْ غَيْرُهُ فَقَلَعَ السِّنْخَ الْمَغِيبَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، كَمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ قَطْعِ الْأَصَابِعِ فَقَطَعَ الْكَفَّ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ سِنِّهِ لَزِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ بِقِسْطِهِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنَ الظَّاهِرِ الْبَارِزِ عَنْ لَحْمِ اللِّثَةِ دُونَ السِّنْخِ الْمَغِيبِ فِيهَا، لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَلْعِ مَا ظَهَرَ فَكَانَ الْكَسْرُ مُعْتَبَرًا بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، فَلَوْ تَقَلَّصَ عَمُودُ اللِّثَةِ حَتَّى ظَهَرَ مِنَ السِّنْخِ الْمَغِيبِ فِي اللِّثَةِ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا كَانَ الْمَكْسُورُ مِنَ السِّنِّ مُعْتَبَرًا بِمَا كَانَ بَارِزًا مِنْهَا قَلُوصُ الْعُمُورِ عَنْهَا، وَلَا يَعْتَبَرُ بِمَا ظَهَرَ بَعْدَهُ قُلُوصُهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَاعْتُبِرَ الْمَكْسُورُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَتِهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابٍ مِنْ دِيَتِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَكْسُورُ مِنْ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا، فَلَوْ قَلَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهَا مَعَ سِنْخِهَا بَعْدَ أَنْ كَسَرَ الْأَوَّلُ نِصْفَ ظَاهِرِهَا لَزِمَ الثَّانِيَ نِصْفُ دِيَتِهَا، لِأَنَّهُ قَلَعَ نِصْفَهَا الْبَاقِيَ، وَهَلْ تلزمه حكومة بقلع سنخها المعيب أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا يلزمه حكومة في النسخ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَضْمُونِ بِالْمُقَدَّرِ كَمَا لَا حُكُومَةَ فِيهِ إِذَا قُلِعَ مَعَ جَمِيعِ السِّنِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ حُكُومَةً، لِأَنَّ السِّنْخَ تَابِعٌ لِجَمِيعِ السِّنِّ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنَ التَّابِعِ لِنِصْفِهِ فَلَزِمَتْهُ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّ الْأَوَّلَ إِنْ كَانَ قَدْ كَسَرَ نِصْفَهُ عِوَضًا لَزِمَ الثَّانِيَ فِي سِنْخِهِ حُكُومَةٌ، لِزِيَادَتِهِ عَلَى سِنْخِ مَا قَلَعَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute