للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنْ حَمَلُوا ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِقُرْبِ نَسَبِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِبُعْدِ نَسَبِهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي بُعْدِ النَّسَبِ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ شَهَادَتِهِمَا بِوَصْفِ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُ الْعَقْلَ فَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِمَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ بِالْجُرْحِ تُهْمَةٌ يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا، أَوْ يَدْفَعَانِ بِهَا ضَرَرًا.

وَالْقَوْلُ الثاني: أنه من لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِبُعْدِ نَسَبِهِ وَلِفَقْرِهِ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِبُعْدِ نَسَبِهِ، لِأَنَّهُمَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَا عِنْدَ الْحَوْلِ مِمَّنْ يَتَحَمَّلُهَا لِاسْتِغْنَاءِ الْفَقِيرِ وَمَوْتِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذِي النَّسَبِ الْبَعِيدِ فَيَصِيرَا دَافِعَيْنِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا تَحَمُّلَ الْعَقْلِ بِشَهَادَتِهِمَا فَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَثِيرٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ وَالْجَوَابُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِفَقْرِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يَتَحَمَّلُهَا لِبُعْدِ نَسَبِهِ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِنَّ الْفَقِيرَ مَعْدُودٌ مِنَ الْعَاقِلَةِ فِي الْحَالِ، لِقُرْبِ نَسَبِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ الْعَقْلَ عِنْدَ الْحَوْلِ لِبَقَاءِ فَقْرِهِ وَالْبَعِيدُ النَّسَبِ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْعَقْلَ عِنْدَ الْحَوْلِ، وَبِمَوْتِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ فَافْتَرَقَ مَعْنَاهُمَا فَكَذَلِكَ مَا افْتَرَقَا فِي الشَّهَادَةِ وَجَمَعَ الْمُزَنِيُّ بَيْنَ مَعْنَاهُمَا وَلِذَلِكَ مَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِذَا كَانَ الْقَوَدُ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَلِيُّ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِقَتْلِهِ فَيَكُونُ لَهُ قَتْلُهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَأَعَادَهَا الْمُزَنِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، ثُمَّ كَرَّرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَسَامَةِ، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَيْهَا مَعَ تَقَدُّمِ اسْتِيفَائِهَا وَالْوَكَالَةُ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِي تَثْبِيتِ الْقِصَاصِ فَتَصِحُّ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ فِي إِثْبَاتِ حَقٍّ وَمَنَعَ مِنْهَا أَبُو يُوسُفَ، لِأَنَّهُ حَدٌّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَإِذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِقُصُورِ تَصَرُّفِهِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْوَكَالَةُ مِنْ تَثْبِيتِ الْقِصَاصِ دُونَ اسْتِيفَائِهِ وَجَوَّزَ لَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الِاسْتِيفَاءَ، لِمُطْلَقِ الْوَكَالَةِ كَمَا جَوَّزَ لَهُ بِمُطْلَقِهَا فِي الْمَبِيعِ قَبْضَ الثَّمَنَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنِ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>