كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْبَائِعَيْنِ فِي عَقْدٍ كَافْتِرَاقِهِمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِلْجَهَالَةِ بِثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ جَازَ لِلْعِلْمِ بِثَمَنِهِمَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الشِّقْصُ لِرَجُلَيْنِ فَبَاعَاهُ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ فَحُكْمُ هَذَا الْعَقْدِ حُكْمُ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ، فَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ كُلَّهُ بِالْعُقُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بِثَلَاثَةِ عُقُودٍ، نِصْفُهُ من أحد المشترين بِعَقْدَيْنِ وَرُبُعُهُ مِنَ الْآخَرِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِعَقْدَيْنِ مِنْ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أو من المشتريين، وله أن يأخذ الربح بِعَقْدٍ وَاحِدٍ مِنْ مشترٍ وَاحِدٍ، وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ مَالِكُ الشِّقْصِ بَعْضَهُ عَلَى رَجُلٍ فِي عَقْدٍ ثُمَّ بَاعَ بَاقِيَهُ فِي عَقْدٍ كَانَ الشَّفِيعُ مُخَيَّرًا فِي أَخْذِ كُلِّ الشِّقْصِ بِالْعَقْدَيْنِ وَفِي أَخْذِ إِحْدَى الْحِصَّتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي واحداً أو اثنين.
[مسألة]
قال المزني رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ زَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بألف درهمٍ فأخذها الشفع بألفٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ إِيَّاهَا بِأَلْفَيْنِ قُضِيَ لَهُ بِأَلْفَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ حَقِّهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِهِ بِأَلْفٍ ذَكَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا قَدْرَ ثَمَنِهِ ثُمَّ إِنَّ الْبَائِعَ ادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفَانِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ أربعة أحوال:
الحالة الْأُولَى: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَلْفَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بِتَصْدِيقِهِ دَفْعُ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْبَائِعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الشَّفِيعِ إِنْ أَكْذَبَهُ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ مَقْبُولٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَرْدُودٌ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ عَقَدَ الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِحْلَافُ الشَّفِيعِ إِذَا أَكْذَبَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَنَابَ فِيهِ وَكِيلًا آخَرَ بِالثَّمَنِ عَنْ قَوْلِهِ فَفِي إِحْلَافِ الشَّفِيعِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّ إِحْلَافَهُ لِإِمْكَانِ مَا قَالَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ إِحْلَافَهُ كما لو تولى عقده.
[فصل]
: والحالة الثانية أن يكذب المشتري للبائع فِي ادِّعَاءِ الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَقَالَ أبو حنيفة يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الشِّقْصَ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالشُّفْعَةِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ الْمَبِيعِ يَجْعَلُ الْقَوْلَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ تَحَالُفُهُمَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الشَّفِيعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا لِلْبَائِعِ أَوْ مُكَذِّبًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لَهُ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إِنْ كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهَا وَلَا يَنْتَفِعُ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الشَّفِيعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute