وَمِنْ تَمَلُّكِهِ وَلَوْ تَمَلَّكَهُ لَمْ يَفْتَدِ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْحَجِّ، إِمَّا بِإِتْلَافٍ أَوْ تَرْفِيهٍ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، فَيَحْصُلُ فِيهِ إِتْلَافٌ أَوْ تَرْفِيهٌ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ، فَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا، أَوِ الزَّوْجَةُ، أَوِ الْوَلِيُّ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ فَاسِدٌ يُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، كَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَلَا مَعْنَى لِإِجْبَارِهِ عَلَى الطَّلَاقِ، أَوْ فَاسِدًا فَلَا مَعْنَى فِيهِ لِلطَّلَاقِ.
فَصْلٌ
: إِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ حَلَالًا، فَزَوَّجَهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ، كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَهُوَ لِأَجْلِ إِحْرَامِهِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ، فَكَذَلِكَ وَكِيلُهُ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا، فَزَوَّجَهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ، كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ قَدْ أَقَامَ وَكِيلَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. وَكَذَا لَوْ كَانَتِ الْوِكَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ، وَكَانَ الْوَلِيُّ أَوْ وَكِيلُهُ محرماً، كان النكاح باطلاً.
[فصل]
: إذا كَانَ شَاهِدُ النِّكَاحِ مُحْرِمًا، كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ النِّكَاحُ غَيْرُ جَائِزٍ. " وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَشْهَدُ ". قَالَ: وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا كَالْوَلِيِّ، وَهَذَا غَلَطٌ، أَمَّا الْخَبَرُ فَغَيْرُ ثَابِتٍ فِي الشُّهُودِ وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْوَلِيُّ يَتَعَيَّنُ فِي النِّكَاحِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا كَالزَّوْجِ وَالشَّاهِدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي النِّكَاحِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا كَالْخَاطِبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَلِيَّ لَهُ فِعْلٌ فِي النِّكَاحِ كَالزَّوْجِ، وَالشَّاهِدُ لَا فِعْلَ لَهُ كَالْخَاطِبِ.
فَصْلٌ
: فَلَوْ وَكَّلَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ، فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ إِحْلَالِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ نَصًّا فِي الْأُمِّ: صَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّى عَقْدَهُ وَكِيلٌ حَلَالٌ لِمُوَكِّلٍ حَلَالٍ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مُحْرِمًا حَالَ الْإِذْنِ، وَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْعَقْدِ لَا حَالِ الْإِذْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إِذْنِ الْمُحْرِمِ فِي التَّزْوِيجِ، فَيُزَوَّجُ بَعْدَ إِحْلَالِهِ، فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ إِذْنِ الصَّبِيِّ فِي التَّزْوِيجِ، فَيُزَوَّجُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ، وَالْمُحْرِمُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ.
فَصْلٌ
: إِذَا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ قَاضِي الْبَلَدِ مُحْرِمًا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِوِلَايَتِهِ الْحُكْمَ، عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ كَالْوَالِي الْخَاصِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ ".
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يجوز لهما ذلك، كَمَا يَجُوزُ لَهُمَا بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ تَزْوِيجُ الْكَافِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ الْخَاصِّ ذَلِكَ.