جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ أَنْ يُخَالِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ كَالْمُشْتَرِي صَفْقَةً عَبْدًا وشقصا فيه الشفعة.
والثاني: أنه لو كان الجميع بَيْنَهُمَا يُوجِبُ حَمْلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ حَمْلُ الصِّحَّةِ عَلَى الْبُطْلَانِ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِ الْبُطْلَانِ عَلَى الصِّحَّةِ كَالِانْفِرَادِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِتُكَافِئَ الْأَمْرَيْنِ وَيُحْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي الْحَالَيْنِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى التَّفْرِيعِ عَلَيْهِمَا فَنَقُولُ إِذَا قُلْنَا إِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ لَمْ يَخْلُ حَالُ الصَّفْقَةِ الَّتِي جَمَعَتِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ عُقُودِ الْبِياعَاتِ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا الْأَثْمَانُ أَوْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ عُقُودِ الْبِياعَاتِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْبِياعَاتِ كَالْهِبَاتِ وَالرُّهُونِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ أَنْ يَنْكِحَ أَجْنَبِيَّةً وَأُخْتًا أَوْ يَهَبَ عَبْدًا وَحُرًّا أَوْ يَرْهَنَ غَصْبًا وَمِلْكًا فَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأُخْتِ وَهِبَةُ الْحُرِّ وَرَهْنُ الْغَصْبِ وَإِنْ عَلَّلْنَا لِبُطْلَانِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِأَنَّ اللَّفْظَةَ وَاحِدَةٌ قَدْ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلَالًا فَغَلَبَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَجْنَبِيَّةِ لِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْأُخْتِ وَهِبَةُ الْعَبْدِ لِبُطْلَانِ هِبَةِ الْحُرِّ وَرَهْنُ الْمِلْكِ لِبُطْلَانِ رَهْنِ الْغَصْبِ. وَإِنَّ عَلَّلْنَا لِبُطْلَانِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِأَنَّ الثَّمَنَ يَصِيرُ مَجْهُولًا صَحَّ نِكَاحُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَهِبَةُ الْعَبْدِ وَرَهْنُ الْمِلْكِ لِأَنَّهَا عُقُودٌ لَا تتضمن أثمانا أتبطل بِجَهَالَتِهَا وَإِنْ كَانَتِ الصَّفْقَةُ مِنْ عُقُودِ الْبِياعَاتِ لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَلَى أَجْزَائِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ مِثْلَ قَفِيزَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ أَحَدُهُمَا مَغْصُوبٌ وَالْآخَرُ مَمْلُوكٌ أَوْ عَبْدٌ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ عَلَّلْنَا لِبُطْلَانِ الصَّفْقَةِ بِأَنَّ اللَّفْظَةَ جمعت حراما وحلالا بطلت الصفقة كلها ها هنا لِوُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِأَنَّ الثَّمَنَ يصير مجهولا صح البيع ها هنا فِي الْحَلَالِ وَإِنْ بَطَلَ فِي الْحَرَامِ لِأَنَّ ما يتقسط الثمن على أجزاءه قَدْ أَمِنَ فِيهِ جَهَالَةَ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ إِذَا ابْتَاعَ قَفِيزَيْنِ بِدِينَارَيْنِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّصْفَ دِينَارٌ. وَإِذَا ابْتَاعَ عَبْدًا بِمِائَةٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّ نِصْفَهُ بِخَمْسِينَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِ كَحُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَمَمْلُوكٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ وَأَمَةٍ أَوْ وَقْفٍ وَمِلْكٍ أَوْ شَاةٍ وَخِنْزِيرٍ أَوْ خَلٍّ وَخَمْرٍ فَالصَّفْقَةُ فِيهِمَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ مَعًا لِأَنَّنَا إِنْ عَلَّلْنَا بِأَنَّ اللَّفْظَةَ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلَالًا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنْ عَلَّلْنَا بِأَنَّ الثَّمَنَ يَصِيرُ مَجْهُولًا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ أَيْضًا وَهَذَا بَيَانُ الْحُكْمِ بِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ.
إِذَا قُلْنَا إِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ يَجُوزُ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْحَرَامِ وَلَمْ يَبْطُلْ فِي الْحَلَالِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِأَجْلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُقَامِ عَلَى الْحَلَالِ أَوْ فَسْخِ الْبَيْعِ فِيهِ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ اعْتُبِرَ حَالُ الْحَرَامِ الْمَضْمُومِ إِلَيْهِ فِي الصَّفْقَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا فِي حُكْمِ الْمَالِ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْحَلَالِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُومُ إِلَيْهِ مَالًا كَالْمَغْصُوبِ أَوِ الْمَجْهُولِ أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَالِ كأم الولد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute