فَصْلٌ:
إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا تُحْسِنُ الْغِنَاءَ وَتَضْرِبُ بِالْعُودِ أَوْ تَنْفُخُ فِي الْمِزْمَارِ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا وَلَا رَدَّ لَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ هَذَا عَيْبٌ وَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْلِقُهَا وَيَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ صِيَانَتِهَا وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْغِنَاءَ صَنْعَةٌ تَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا وَالْمُبْتَغَى مِنَ الرَّقِيقِ تَوْفِيرُ الْأَثْمَانِ فَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَكُفَّهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَبَانَ أَنَّهُ بِيعَ بِجِنَايَةٍ جَنَاهَا لَمْ تَخُلُ الْجِنَايَةُ الَّتِي بِيعَ فِيهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً لَمْ تَخْلُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ مِنْهُ كَثِيرًا فَهَذَا عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ تَتَكَرَّرْ مِنْهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّ النَّادِرَ مِنْ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ لَا يَخْلُو مِنْهُ فِي الْغَالِبِ أَحَدٌ وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ قَدْ تَابَ مِنْهَا فَهَذَا عَيْبٌ وَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ تَابَ مِنْهَا فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ عَيْبًا يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَدْ رَفَعَتْ ذَنْبَهُ، وَالثَّانِي لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ وَلَا تَرْفَعُ النَّقْضَ.
فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَكَانَ آبِقًا فَلَهُ الرَّدُّ لَكِنْ إِنْ أَبَقَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا مُخَاصَمَةَ لَهُ مَعَ الْبَائِعِ حَتَّى يُحْضِرَ الْعَبْدَ سَوَاءٌ عَلِمَ بِقِدَمِ إِبَاقِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ مُخَاصَمَةُ الْبَائِعِ إِذَا عَلِمَ بِقِدَمِ إِبَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ حَالَ الْآبِقِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا اسْتَحَقَّ الرَّدَّ وَاسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا اسْتَحَقَّ أَخْذَ الْأَرْشِ وَمَا جَهِلَ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ.
وَإِنِ اشْتَرَى عَبْدًا وَكَانَ يَبُولُ إِذَا نَامَ كَانَ عَيْبًا يُوجِبُ الرَّدَّ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ حَتَّى كَبِرَ الْعَبْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ عِلَاجَهُ بَعْدَ الْكِبَرِ عَسِيرٌ فَصَارَ كِبَرُهُ عِنْدَهُ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَخْتُونٍ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا فَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّ فَقْدَ الْخِتَانَةِ فِي الصِّغَرِ لَيْسَتْ نَقْصًا لِأَنَّهَا غَالِبُ أَحْوَالِ الصِّغَارِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا كَانَ عَيْبًا يُوجِبُ الرَّدَّ لِأَنَّ فَقْدَ الْخِتَانَةِ فِيهِ نَقْصٌ وَعَلَيْهِ فِيهَا وَكْسٌ.
وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَكَانَ رَطْبَ الْكَلَامِ أَوْ غَلِيظَ الصَّوْتِ أَوْ ثَقِيلَ النَّفَسِ أَوْ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ أَوْ كَثِيرَ النَّهَمِ أَوْ فَاسِدَ الرَّأْيِ أَوْ قَلِيلَ الْأَدَبِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهَذَا كُلِّهِ لِسَلَامَةِ بَدَنِهِ وَصِحَّةِ جِسْمِهِ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ بِهِ بَلَهٌ أَوْ خَبَلٌ أَوْ عَتَهٌ أَوْ سُدُدٌ، أَوْ كَانَ مُؤَنَّثًا أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَوْ غَيْرَ مُشْكِلٍ أَوْ فِي كَفِّهِ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ أَوْ بِهِ بَرَصٌ أَوْ حَرُّ كَبِدٍ أَوْ نَفْحَةُ طِحَالٍ أَوْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ يَقْذِفُ الْمُحْصَنَاتِ أَوْ يَدَعُ الصَّلَوَاتِ أَوْ كَانَ أَصَمَّ أَوْ أَخْشَمَ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ أَرْثَهُ لَا يُفْهَمُ أَوْ فِي فَمِهِ سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ مَقْلُوعَةٌ فَكُلُّ هَذِهِ عُيُوبٌ تُوجِبُ الرَّدَّ لِأَنَّهَا وَمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute